أبرز عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، أمس الثلاثاء، خلال جلسة المساءلة الشهرية بمجلس المستشارين، أن الحوار الاجتماعي أرضية أساسية حتى تكون قضايا التشغيل على رأس اهتمامات الحكومة خلال المرحلة المقبلة، باعتبارها أولوية وطنية ملحة ومستعجلة، بالإضافة إلى إصلاح أنظمة التقاعد.
وأفاد أن الحكومة اليوم تحذوها إرادة حقيقية للتسريع من وتيرة برامج التشغيل وتطويق معدلات البطالة وتوفير فرص الشغل اللائق لأبناء المغاربة بشكل يضمن المساواة وتكافؤ الفرص في الحصول على شغل قار ومستدام”، كما قال.
ودعا إلى ضرورة تظافر الجهود لإعداد جيل جديد من السياسات العمومية الموجهة للتشغيل وضمان تجانسها، وتفعيل برامج التكوين وملائمتها مع سوق الشغل، وتسهيل عملية الولوج إليه من قبل الشباب وكل الفئات الاجتماعية.
وأفاد أن الحكومة، ومن خلال آلية الحوار الاجتماعي، تريد خلق جسور التواصل مع المركزيات النقابية وأرباب العمل للتفاعل الإيجابي مع القضايا ذات الأولوية ببلادنا، وعلى رأسها قضية التشغيل بهدف خلق الاستثمار المنتج للعمل اللائق وضمان استدامته.
وبالنسبة للمؤشرات الاقتصادية النهائية لسنة 2023، يرى أخنوش أنها تبرز بالملموس حجم المجهود الحكومي لتجاوز كل التراكمات السابقة التي أثرت على وضعية التشغيل ببلادنا، حيث “تمكن الاقتصاد الوطني ولله الحمد من تحقيق نتائج جد إيجابية فاقت كل التوقعات، بالرغم من توالي السياقات الوطنية والدولية الصعبة”، حسب تعبيره.
وبخصوص إصلاح أنظمة التقاعد، أكد أخنوش على ضرورة فتح نقاش جدي ومسؤول حول إصلاح أنظمة التقاعد ببلادنا، والتوافق مع الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين للوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف، وتراعي مصالح الطبقة العاملة وتضمن ديمومة صناديقه.
وأفاد أن الإصلاح الذي تباشره الحكومة، والذي توقفت على مبادئه الأساسية مع النقابات والمهنيين في أفق عرضه على البرلمان، يشكل جزءا لا يتجزأ من مسار استكمال وتدعيم أسس الدولة الاجتماعية.
من جهة أخرى، أكد أخنوش أن الحكومة الحالية هي الأولى في التاريخ السياسي للمملكة التي تتوصل مع المركزيات النقابية وأرباب المقاولات إلى اتفاقين تاريخيين خلال نصف ولايتها الحكومية فقط.
ومن هذا المنطلق، اعتبر أخنوش أن الحكومة ربحت رهان الحوار الاجتماعي في شموليته وأهدافه الاجتماعية النبيلة، والتي أدت في نهاية المطاف إلى تحسين الوضعية السوسيو اقتصادية لفئات عريضة من المواطنات والمواطنين، الذين يعتز بدورهم الريادي في بناء مسلسل الدولة الاجتماعية، حسب وصفه.
وأكد أن الحكومة كانت في الموعد، وتحلت بالمسؤولية السياسية الكافية التكلفة المالية لتنفيذ مخرجات الحوار الاجتماعي، والذي كلف ميزانية الدولة ما يعادل 45 مليار درهم في أفق 2026، وهو مبلغ يفوق ما تم تخصيصه للحوار الاجتماعي على امتداد ثلاث ولايات حكومية سابقة.
وأبرز أن ذلك يعد إشارة قوية تبين التوجه الديمقراطي الاجتماعي الذي اتخذته الحكومة كمنهج ومقاربة تشاركية في تعاطيها مع الملفات الاجتماعية والاقتصادية للمغاربة عموما، والفئات الهشة والمتوسطة على وجه الخصوص.
وأفاد أن الإرادة السياسية المشتركة والمتقاسمة مع الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين ساهمت في تطوير النموذج المغربي للحوار الاجتماعي، الذي راكم نتائج جد متقدمة لصالح كل الفئات والطبقات الاجتماعية المغربية.
ودعا إلى ضرورة السير وفق هذا المنحى، وخلق فضاءات جديدة بمقاربات مبتكرة للحوار وتقريب التصورات والقناعات للتعاطي مع بعض الملفات الاجتماعية المستعجلة.
واعتبر أخنوش، في الوقت ذاته، أنه لم يعد مقبولا أن تبقى بلادنا، وهي التي راكمت مسارا ديمقراطيا نموذجيا، دون قانون تنظيمي يؤطر ممارسة حق الإضراب.
وأعلن أن الحكومة قررت، بكل شجاعة ومسؤولية، إعادة إدراج القانون التنظيمي للإضراب ضمن أولويات الجولة الجديدة للحوار الاجتماعي، وعرض مضامينه على أنظار البرلمان خلال هذه السنة.
وأفاد أن ذلك راجع لإيمان الحكومة القوي في كون ممارسة الإضراب وسيلة حضارية للدفاع عن الحريات النقابية وتحقيق مطالب الشغيلة، وحماية حقوق جميع الأطراف، وذلك ما يستدعي “تأطيره وتنظيمه بالقانون، وتبني فلسفة جديدة تضمن هوامش مهمة لحرية الرأي والتعبير، وفي نفس الوقت تحافظ على استمرارية النشاط الاقتصادي داخل المؤسسات والمقاولات المغربية”، على حد قوله.
من جهة أخرى، أبرز أخنوش أن التصور الحكومي لمفهوم الحوار الاجتماعي لا يقتصر فقط على الجوانب المالية والتقنية الضيقة، وكيفية توزيعها القطاعي، ولكن الحكومة تتحمل رؤية متكاملة استقرت عليها أدبيات الحوار الاجتماعي على الصعيد الدولي، والتي تستحضر الأدوار الجديدة للحوار في مسار بناء الأفق الكبير للدولة الاجتماعية وتنمية الرأسمال البشري، بالتالي ضمان الأمن والاستقرار الاجتماعي لمختلف الفئات بالبلاد.
واعتبر رئيس الحكومة أن الحوار الاجتماعي سيكون صمام أمان لدعم الدولة الاجتماعية وتنمية الرأسمال البشري والحفاظ على كرامته وصون حقوقه، الشيء الذي جعل الحكومة تسير في اتجاه تقوية منظومة الحوار الاجتماعي وفتح آفاقه نحو مواضيع جديدة تشمل العمل اللائق والشامل وتأهيل العنصر البشري، بالإضافة إلى تكريس مبادئ المساواة و مقاربة النوع في العمل.
وأفاد أن السنتين الماضيتين من الحوار الاجتماعي الذي قامت به الحكومة بمعية شركائها ساهم بشكل كبير في تحسن مؤشرات التنمية البشرية بالمملكة، “وهو ما يؤكد المجهود الحكومي المتواصل، والنجاح الجماعي في عدد من الأوراش الاجتماعية الكبرى التي انخرطنا فيها تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة، نصره الله”، يضيف أخنوش.
وفي نفس السياق، أبرز أن الحكومة تملك اليوم قناعة مشتركة مع أرباب العمل لجعل الحوار الاجتماعي محطة متميزة لتقوية المقاولة المغربية وتحصينها من كل الصدمات الداخلية والخارجية.
“وإذا كانت بلادنا قد قطعت أشواطا مهمة في إرساء نموذج تشريعي متقدم للحوار الاجتماعي داخل المقاولة على أساس مدونة الشغل لسنة 2003، والتي كرست عددا من الآليات التي تعزز وظيفة الحوار الاجتماعي في المقاولة، وتعمل على تشجيع المفاوضة الجماعية وإبرام الاتفاقيات الجماعية وتنظيم التحكيم في نزاعات الشغل، فإن الممارسة العملية لهذه المدونة على امتداد 20 سنة الماضية أبانت عن قصور كبير في تنزيل عدد من المقتضيات التي تهم المأسسة الفعلية للحوار كقاعدة لتدبير كل القضايا الاجتماعية والاقتصادية داخل المقاولة، وبين الأطراف الثلاثة للحوار، ومدى قدرتها على تحقيق نجاعته ودفع أرباب العمل إلى التقيد بالأحكام والمقتضيات القانونية”، يتابع أخنوش.
وأورد أن الحكومة تؤمن بأن الحوار الاجتماعي أصبح يتجاوز النقاش الكلاسيكي حول قضايا الشغل التي كانت تطرح عشية فاتح ماي من كل سنة، وتابع: “لا شك أن الحكومة استطاعت أن تجعل من الحوار الاجتماعي معبرا حقيقيا للجواب على إشكاليات الحد من اللامساواة والعدالة الاجتماعية، وإطارا مرجعيا للنقاش حول قضايا تطوير نموذجنا الاقتصادي والعلاقات الاجتماعية مع النقابات وأرباب العمل”.
وقال إن الرؤية التي تملكها اليوم مبنية على ثنائية الاستثمار المنتج وعلاقته بالدينامية الوطنية للحوار الاجتماعي، بما يشكل قاطرة حقيقية للإقلاع الاقتصادي وبالتالي التسريع من وتيرة خلق فرص الشغل لفائدة المواطنات والمواطنين.
وزاد: “نحن على يقين تام أن الجميع سيساهم كل من موقعه، في تعبئة الموارد والإمكانيات التي تسمح بتطوير منظومتنا الاقتصادية المنتجة لفرص الشغل والتي تضمن الكرامة والعيش الكريم لجميع المغاربة”.
وفي ختام كلمته، أفاد أخنوش أن الحكومة جعلت من الحوار الاجتماعي مكسبا حقيقيا ولحظة متميزة من لحظات التوافق الوطني لإعادة بناء الثقة بين مختلف المؤسسات حول مجموعة من القضايا والرهانات الآنية والمستعجلة.
كما جعلت منه، كما قال اخنوش، فضاء مؤسساتيا للتجاوب مع الإشكالات التي تطرحها المركزيات النقابية للمساهمة في تكريس الاستقرار الاجتماعي الذي تنعم به المملكة، وفرصة مهمة كذلك للتفاعل مع الهيئات المهنية والتدخل الإيجابي لحماية المقاولة المغربية والجواب على التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تفرضها الظرفية الوطنية والدولية في زمن اللايقين الاقتصادي.
وشدد على أن كل ما ذكر يؤهل الحكومة للقول، وبكل شجاعة سياسية، أنها، وبمعية شركائها الاقتصاديين والاجتماعيين، أسست لنموذج مغربي للحوار الاجتماعي، سيكون حلقة مهمة في مسار استكمال المشروع الحداثي الديمقراطي لبلادنا، وآلية مركزية لخدمة أسس الدولة الاجتماعية كما يريدها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لرعاياه الأوفياء.