في خطوة مفاجئة للبعض ومتوقعة للبعض الآخر، جاء قرار وزارة الداخلية بإعفاء السيد فريد شوراق من مهامه كوالٍ على جهة مراكش-آسفي، ليكرّس بقوة مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة” ويضع خطاً واضحاً تحت الضوابط الأخلاقية والقانونية التي تحكم سلوك رجال السلطة بالمملكة. القرار، الذي تبعه تعيين رشيد بنشيخي والياً بالنيابة، لم يكن مجرد تغيير إداري، بل رسالة سياسية وإدارية بليغة.
على عكس ما قد يُعتقد، لم يكن دافع الإعفاء مرتبطاً بملف تنموي متعثر أو ببطء في الأداء الإداري، بل بواقعة رمزية أثارت جدلاً واسعاً واستياءً كبيراً على منصات التواصل الاجتماعي. يتعلق الأمر بظهور الوالي المعفى في مقطع فيديو خلال عيد الأضحى وهو ينحر أضحية العيد، معلناً أنها “نيابة عن ساكنة الجهة”. هذا التصرف، الذي قد يبدو بسيطاً في ظاهره، حُمِّل دلالات عميقة واعتُبر تجاوزاً لحدود وواجبات منصبه.
يرى أساتذة وباحثون في القانون العام أن هذا السلوك شكل “سقطة رمزية”، حيث خلط المسؤول الترابي بين دوره كممثل للدولة ومجاله الشخصي أو الديني. فمنصب الوالي يفرض عليه الحياد والالتزام بالضوابط التي تحفظ هيبة الدولة ومؤسساتها، وتجنب أي تصرف قد يُفهم على أنه شعبوي أو فيه تجاوز للصلاحيات الممنوحة له.
إن إعلان نحر الأضحية “نيابة عن الساكنة” اعتُبر من قبل كثيرين تصرّفاً أبوياً لا يتماشى مع مفهوم الدولة الحديثة والمواطنة، ويحمل في طياته نوعاً من الوصاية الرمزية التي لم تعد مقبولة في الخطاب العام. وقد فتح هذا النقاش الباب واسعاً حول ضرورة فهم رجال السلطة للحدود الدقيقة بين ما هو مسموح وما هو محظور في تواصلهم وتصرفاتهم العلنية.
يؤكد هذا القرار أن مبدأ المحاسبة لم يعد يقتصر على تقييم الأداء والإنجاز في المشاريع التنموية فحسب، بل امتد ليشمل السلوك الشخصي والأخلاقي للمسؤول حين يتقاطع مع وظيفته العمومية. الرسالة واضحة: رجل السلطة هو ممثل للدولة في كل حركاته وسكناته، وأي خروج عن النص أو عن قواعد اللياقة المؤسساتية والتحفظ الواجب، يعرض صاحبه للمساءلة الفورية.
وبهذا، تكون وزارة الداخلية قد أرسلت إشارة قوية لجميع ولاتها وعمالها بأن زمن التصرفات غير المحسوبة قد ولى، وأن المرحلة الحالية تتطلب مسؤولين لا يمتلكون الكفاءة الإدارية فحسب، بل يمتلكون أيضاً الحصافة والوعي العميق بالوزن الرمزي لمناصبهم.