كشفت مذكرة التوزيع الجهوي للاستثمار المرفقة بمشروع قانون المالية لسنة 2026، عن استراتيجية استثمارية تاريخية وغير مسبوقة تضع جهة الشرق في صلب أولويات الدولة، بميزانية ضخمة تتجاوز 42.4 مليار درهم، مخصصة لمشاريع مهيكلة تهدف إلى تحقيق طفرة نوعية في البنية التحتية، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتقليص الفوارق المجالية بالمنطقة.
وتتصدر قائمة هذه المشاريع العملاقة، البنية التحتية اللوجستية والمينائية، حيث يبرز مشروع ميناء الناظور غرب المتوسط كأضخم استثمار في تاريخ المنطقة بتكلفة إجمالية تناهز 11.5 مليار درهم. هذا المشروع الاستراتيجي سيتحول إلى شريان اقتصادي حيوي يربط المغرب بأوروبا والعالم. ولدعم هذا القطب العملاق، تم رصد 7.8 مليار درهم لإنجاز الطريق السيار جرسيف-الناظور، الذي سيعزز الربط الطرقي للميناء، إلى جانب مشروع الربط السككي الذي سيدخل مرحلة الأشغال بتكلفة 3.1 مليار درهم، لتكتمل بذلك منظومة نقل متكاملة ستجعل من جهة الشرق منصة لوجستية عالمية بامتياز.
وفي إطار الرهان الاستراتيجي على الأمن المائي والغذائي، تولي المذكرة أهمية قصوى لقطاع الماء، عبر مشاريع بناء وتعلية سدود كبرى، أبرزها تعلية سد محمد الخامس بتكلفة 1.25 مليار درهم لزيادة سعته التخزينية، وبناء سد تاركا أومادي بحوالي 1.46 مليار درهم، مما سيضمن توفير مياه الشرب والسقي ويساهم في حماية المنطقة من الفيضانات، بالإضافة إلى مشاريع أخرى كبناء سد “المتوسط فاليت”.
ولأن التنمية لا تكتمل إلا بالاستثمار في الإنسان، يشهد القطاع الصحي والتعليمي بالجهة نهضة غير مسبوقة. حيث يتم العمل على إعادة بناء المركز الاستشفائي الجهوي بوجدة (913 مليون درهم) والمركز الاستشفائي الإقليمي بالناظور (561 مليون درهم)، إلى جانب بناء ثلاثة مستشفيات للقرب في كل من فيكيك، تلسينت، وأحفير. أما قطاع التعليم، فيشهد بناء عشرات المؤسسات التعليمية الجديدة، وتعزيز التعليم العالي عبر مشاريع كبرى مثل المدرسة العليا للتربية والتكوين وتوسيع جامعة محمد الأول بوجدة.
ورغم أن مؤشرات سوق الشغل بالجهة لا تزال تشكل تحدياً، إلا أن هذه المشاريع الضخمة، إلى جانب تلك المبرمجة في قطاعات الصيد البحري، والفلاحة، والصناعة، والتجارة، من شأنها خلق آلاف مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة، وتحفيز الاستثمار الخاص، وإنعاش الاقتصاد المحلي بشكل جذري.
إن هذه الحزمة المتكاملة من الاستثمارات العملاقة لا تعكس مجرد أرقام، بل ترسم ملامح مستقبل واعد لجهة الشرق، مستقبل يقوم على بنية تحتية حديثة، وأمن مائي مستدام، وخدمات اجتماعية ذات جودة، تهدف في مجملها إلى جعل الجهة قطباً اقتصادياً تنافسياً ومجالاً جاذباً للكفاءات والاستثمارات الوطنية والدولية






