الرباط – 15 أكتوبر 2025
عقدت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، ندوة بعنوان “السرديات وسؤال الهوية”، يوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025، بمقرها في الرباط، وذلك احتفاء بأسبوع الرواية العالمي، إذ هدفت الندوة إلى تعميق النقاش حول أسئلة الهوية في السرد العربي، واستكشاف صلاتها بالتحولات الثقافية الراهنة، وتفكيك جدلية المكان والذاكرة، وهي القضايا التي ناقشها نخبة من الأدباء والشعراء والمفكرين والأكاديميين، المشاركون في الندوة.
وفي كلمته خلال الافتتاح، أكد الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام للإيسيسكو، أن رسالة المنظمة تقوم على إعادة كتابة السرد الحضاري للعالم الإسلامي بروح معاصرة تبرز الإبداع وتُعيد الاعتبار للإنسان في ضوء تاريخه وإسهاماته، مضيفا أن العالم الإسلامي يكتب اليوم فصلا جديدا من تاريخه الثقافي يوازن بين الأصالة والانفتاح، ويصوغ سردا حضاريا قائما على التنوع والاحترام المتبادل.
وأشار الدكتور المالك إلى أن الهوية ليست جدارا للعزل بل نافذة على العالم نطل منها بثقة واعتزاز، لافتا إلى معطيات دولية تظهر أن أكثر من 50% من لغات العالم مهددة بالاندثار، وأن 80% من الإنتاج الثقافي العالمي يترجم عن لغات غربية، فيما لا تمثل العربية واللغات الآسيوية والإفريقية مجتمعةً سوى 10% من حركة الترجمة، معتبرا أن هذه الأرقام تكشف اختلالا في عدالة السرد الإنساني وتنوعه الثقافي.
وفي مداخلاتها خلال الندوة، شددت الدكتورة روضة الحاج، مديرة مركز الشعر والأدب في الإيسيسكو، على دور السرد في تعزيز الوعي بالهوية وتوسيع آفاقها الجمالية، فيما أبرز المفكر والأكاديمي العراقي، الدكتور عبد الله إبراهيم، أن الهوية تتشكّل داخل إطار سردي يمنحها معنى وغاية، وأن كتابة الذات في الرواية العربية الحديثة راكمت تزاوجا خلاقا بين الرواية والسيرة، منتجة أشكالاً هجينة كـ«الرواية السيرية» و«السيرة الروائية».
كذلك، تناول الدكتور محمد الداهي، الناقد والباحث المغربي في السيميائيات الذاتية، قضايا الهوية المتحركة والسير الذاتية في الأدب العالمي، مع إشارات إلى تجربة الروائي الفرنسي “جان ماري لوكليزيو” بوصفها نموذجا لاستعادة الأصول والأنساب عبر السفر السردي بين الأزمنة والأمكنة، بينما أوضح أستاذ النقد الأدبي في مصر، الدكتور محمود الضبع، أن الألفية الثالثة شهدت تحولات جذريةً هزت يقين الهوية وصلابتها، وأن مفهوم الهوية لم يعد مقتصرا على الفرد والجماعة، بل طال «هوية المكان والزمان» أيضا.
واختتمت أعمال الندوة بتكريم الفائزين في الدورة الأولى من مسابقة “مدن القصائد”، التي يشرف عليها مركز الشعر والأدب في المنظمة، حيث جرى تكريم تسعة شعراء من دول مختلفة، تقديرا لقصائدهم التي نُظمت أبياتها احتفاء بعواصم الثقافة في العالم الإسلامي لعام 2024، وهي: بنغازي، ومراكش، وشوشا الأذربيجانية؛ كما أشير خلال التكريم إلى الإبداع المتميز لبقية المشاركين في المسابقة.
وأتت هذه الندوة في إطار التزام الإيسيسكو بمواصلة برامجها ومبادراتها الهادفة إلى ترسيخ التنوع اللغوي والثقافي، ودعم الإبداع السردي والشعري بوصفه رافعة أساسية لبناء سرد حضاري معاصر ومنفتح.