تم، أمس الجمعة بالرباط، إطلاق الجزأين الثاني والثالث من موسوعة “تفكيك خطاب التطرف” التي تم إعدادها في إطار مشروع فكري مشترك بين الرابطة المحمدية للعلماء ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو).
ويتوخى الجزآن الجديدان من الموسوعة، بالإضافة إلى سابقهما، تطوير أدوات فكرية ومعرفية تسهم في تعزيز ثقافة الاعتدال والوسطية، وتقديم مقاربات معرفية جديدة تعالج الجذور الفكرية والثقافية للتطرف.
فبعدما اهتم الجزء الأول من هذه الموسوعة (صدر سنة 2021) بالمفاهيم والمداخل المنهجية لخطاب التطرف، يضع الجزء الثاني المحددات المنهجية لعلاقة المسلم مع الآخر، المخالف له، ويهتم الجزء الثالث بأساليب مواجهة خطابات التطرف وتأصيل قيم السلم وفقه التعايش مع الآخر.
وتضم الموسوعة بأجزائها الثلاثة، مجموعة من الأبحاث والدراسات المتخصصة التي تسعى إلى تفكيك المنظومة الفكرية التي يرتكز إليها خطاب التطرف، متخذة من التحليل العميق للنصوص والأفكار منهجا لكشف التحريفات والتأويلات المغلوطة التي يستخدمها الخطاب المتطرف لتبرير العنف والإرهاب.
كما تناولت الموسوعة مناهج التربية والتوعية الثقافية التي تعزز مناعة المجتمعات وتحصنها ضد الأفكار المتطرفة، فضلا عن سعيها إلى تعزيز الحوار بين الثقافات، وإبراز دور المؤسسات التربوية والدينية والفكرية في بناء منظومة قيمية تقوم على الاحترام الإنساني المتبادل، بالاستناد إلى منهجية علمية ذات أبعاد استشرافية تستقرئ التحديات على دروب مجابهتها.
وخلال حفل إطلاق الجزأين الثاني والثالث من الموسوعة، الذي جرى بحضور خبراء مغاربة وأجانب في مجال مكافحة التطرف وممثلي عدد من البعثات الدبلوماسية المعتمدة بالرباط، تم تقديم عرض حول أبرز ما يتضمنه الجزء الثاني من الموسوعة ومنهجيته في تفنيد آليات الفكر المتطرف، وكذا محاور الجزء الثالث من الموسوعة، وما يركز عليه من سبل بناء مناعة لدى أفراد المجتمعات في مواجهة الفكر المتطرف.
وفي كلمة بالمناسبة، أكد المدير العام لمنظمة الإيسيسكو، سالم بن محمد المالك، على الحاجة الماسة لهذا النوع من “المشاريع الفكرية الداعية إلى الاعتدال ونبذ العنف، لا سيما في سياق عالمي محتدم من حيث انتشار العنف والكراهية”.
وأوضح أن الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء قد توافقتا، في هذا الصدد، “على انتهاج المسار الأصوب في مواجهة ما يلينا من جوائح الإرهاب، والعمل على إنتاج هذه الموسوعة”، معربا عن أمله في أن يكون هذا العمل “خير معين على إنقاذ ناشئتنا وشبابنا والإنسانية جمعاء من براثن هذا الداء العضال”.
وخلص السيد سالم بن محمد المالك إلى أن “التعاون وتضافر الجهود يظل أفضل سبيل لمواجهة العنف والتطرف والكراهية، باعتبارها آفات أخلاقية واجتماعية لا تعترف بحدود ولا جغرافيا، وهي ليست وصما على بلادنا ومنطقتنا”، داعيا كل المتدخلين إلى المساهمة الفعلية في محاربة الأفكار الظلامية ونشر قيم السلم والتعايش.
من جهته، قال الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، أحمد عبادي، إن هذه الموسوعة “جاءت من أجل المساهمة في توضيح السردية الأصيلة للدين في مواجهة المغالطات”، مبرزا أن “تحريف المعاني والتعامل مع النصوص بدون علم أدى إلى انتشار التطرف وإراقة الدماء البريئة”.
وأشاد السيد عبادي، في هذا الصدد، بالشراكة التي تجمع بين الرابطة ومنظمة الإيسيسكو “والتي أثمرت هذا العمل الضخم الذي من شأنه الإسهام في إعادة تأطير أغلب المفاهيم الدينية في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية السمحة”.
وتعكس الشراكة بين الرابطة المحمدية للعلماء ومنظمة الإيسيسكو التزام المؤسستين بالتعاون في مجالات العلم والثقافة، بهدف تعزيز الوعي الديني والفكري، ودعم البحث العلمي، ونشر القيم الإسلامية الوسطية، مما يعكس نموذجا فعالا للتعاون بين المؤسسات العلمية والثقافية بما يخدم العلم في مواجهة التحديات المعاصرة.