في تصريح يعكس أسلوبه التفاوضي القائم على الضغط والتهديد، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب أن مهلة الـ60 يوماً التي منحها لإيران قد انقضت، مؤكداً في الوقت ذاته أن الباب لا يزال مفتوحاً أمام “فرصة ثانية” للتوصل إلى اتفاق جديد، في حلقة جديدة من مسلسل التوتر الشديد بين واشنطن وطهران.
جاء هذا التصريح في ذروة حملة “الضغط الأقصى” التي قادها ترامب ضد إيران، والتي بدأت بانسحابه أحادي الجانب من الاتفاق النووي التاريخي (خطة العمل الشاملة المشتركة) في عام 2018. وقال ترامب بلهجته المباشرة: “منحت إيران إنذاراً لمدة 60 يوماً، واليوم هو اليوم الحادي والستون، ولديها الآن فرصة ثانية للتوصل إلى اتفاق”.
لم يكن “إنذار الـ60 يوماً” صادراً في الأصل عن ترامب، بل كان في الواقع رداً إيرانياً على الضغوط الأمريكية. ففي مايو 2019، أعلنت طهران أنها ستمنح القوى الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي مهلة 60 يوماً لحماية اقتصادها من العقوبات الأمريكية الخانقة. وهددت إيران بأنها ستبدأ بعد انقضاء المهلة في التحلل تدريجياً من التزاماتها بموجب الاتفاق، مثل رفع مستوى تخصيب اليورانيوم.
إلا أن ترامب، بأسلوبه الخاص في قلب الروايات السياسية، تبنى هذا التوقيت وحوّله إلى ما يشبه إنذاراً أمريكياً، مصوراً نفسه في موقع الطرف الذي يمسك بزمام المبادرة ويمنح الفرص. كانت استراتيجيته واضحة: استخدام العقوبات الاقتصادية الشديدة لشل الاقتصاد الإيراني وإجبار قيادته على العودة إلى طاولة المفاوضات، ولكن هذه المرة للتوصل إلى “صفقة أفضل” من وجهة نظره.
رفضت إيران بشكل قاطع شروط ترامب، معتبرة أن العقوبات الأمريكية تمثل “إرهاباً اقتصادياً” وأن التفاوض تحت الضغط أمر غير مقبول. وفي المقابل، وجدت القوى الأوروبية نفسها في موقف حرج، حيث حاولت جاهدة الحفاظ على الاتفاق النووي الأصلي لكنها فشلت في توفير الحماية الاقتصادية التي وعدت بها طهران في مواجهة العقوبات الأمريكية الساحقة.
في نهاية المطاف، لم تسفر “الفرصة الثانية” التي تحدث عنها ترامب عن أي اتفاق. وبدلاً من ذلك، دخلت المنطقة في دوامة من التصعيد الخطير، شملت هجمات على ناقلات النفط، وإسقاط طائرة مسيّرة أمريكية، وبلغت ذروتها مع اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في بغداد مطلع عام 2020.
ورغم أن هذا التصريح يعود إلى فترة رئاسة ترامب، إلا أنه يظل مثالاً حياً على نهجه في السياسة الخارجية، وهو النهج الذي يعتمد على المواجهة المباشرة والضغط الاقتصادي الأقصى، بدلاً من الدبلوماسية المتعددة الأطراف، والذي لا تزال تداعياته ماثلة في علاقة واشنطن بطهران حتى اليوم.
