في أجواء يمتزج فيها هدوء التركيز العميق بصخب الطموحات الكبيرة، تحولت مدينة بركان إلى قبلة لنخبة الشطرنج المغربي، حيث تحتضن حالياً فعاليات البطولة الوطنية للفرق في فئتي المفتوحة والسيدات. لا يقتصر هذا الحدث على كونه مجرد منافسة رياضية، بل يمثل محطة مفصلية وإعلاناً صريحاً عن انطلاق مرحلة جديدة للجامعة الملكية المغربية للشطرنج، التي تنظم أولى بطولاتها الكبرى تحت قيادة مكتبها المديري المنتخب حديثاً.
رؤية جديدة بقيادة طموحة
في قلب الحدث، تحدثت السيدة بشرى القادري، رئيسة الجامعة الملكية المغربية للشطرنج، بنبرة ملؤها التفاؤل والاعتزاز. وقالت: “إنه لشرف كبير لي، وأنا جد مسرورة بتواجدي في مدينة بركان التي تحتضن أول بطولة تنظم بعد تولينا المسؤولية”. وأشادت القادري بالإقبال اللافت للمشاركين، معتبرة أن “غالبية المدن جاءت، والناس لم يعجزوا”، وهو ما يعكس تعطش أسرة الشطرنج لمثل هذه التظاهرات المنظمة.
وأكدت الرئيسة أن الهدف الأسمى للمكتب الجديد هو إرساء دعائم الاحترافية، مضيفة: “نسعى لأن تكون هذه البطولة وكل البطولات القادمة مهنية، بعيدة كل البعد عن العشوائية”. وفي هذا السياق، لم تفوت الفرصة لتقديم شكر خاص للسيد فريد بوجلالة، رئيس جمعية ليمون للشطرنج، الذي “بذل مجهودات كبيرة ليكون التنظيم في أحسن حال”، كما أثنت على دور الحكام الساهرين على نزاهة المنافسات، ووسائل الإعلام التي وصفتها بالجسر الحيوي الذي “يصل الجامعة بالجمهور الشطرنجي”.
ولم تكتف السيدة القادري بالحديث عن الحاضر، بل رسمت ملامح المستقبل القريب، حيث أعلنت عن مشاركة المنتخب الوطني للفئات في البطولة العربية التي ستقام في الدار البيضاء من 20 إلى 28 يوليوز القادم. كما اغتنمتها مناسبة لتهنئة المنتخب الوطني الذي حقق إنجازاً مشرفاً بفوزه بالبطولة الإفريقية عبر الإنترنت، مختتمة حديثها بتفاؤل كبير: “أنا متفائلة جداً، الشطرنج غادي مزيان، والله يوفق الجميع”.
من عمق الميدان.. تنظيم محكم وانتعاشة مرتقبة
من جانبه، قدّم السيد فريد بوجلالة، مدير البطولة ورئيس جمعية ليمون للشطرنج ببركان، رؤية تنظيمية وفنية معمقة للحدث. وأوضح أن هذه البطولة الوطنية هي ثمرة مسار إقصائي طويل وشاق، قائلاً: “هذه البطولة النهائية جاءت بعد منافسة شرسة على الصعيد الوطني شاركت فيها فرق من سبع عصب جهوية”. وشرح أن نظام التأهيل أفرز 8 فرق في الفئة المفتوحة و8 فرق في فئة السيدات، مع منح عصبة الدار البيضاء مقعدين نظراً لضمها العدد الأكبر من الأندية النشطة.
بوجلالة أشار إلى أن الشطرنج المغربي يعيش “انتعاشة كبيرة” مؤخراً، تجلت في “رجوع مجموعة من اللاعبين الذين كانوا قد ابتعدوا عن الساحة”. وأكد أن نجاح هذا الحدث لم يكن ليتحقق لولا تضافر جهود الشركاء، وعلى رأسهم الجامعة الملكية المغربية للشطرنج وعمالة إقليم بركان وكل الداعمين. وأضاف: “حاولنا جاهدين توفير كل الظروف اللوجستيكية والتقنية لضمان منافسة شريفة، فمتى تكون الراحة مضمونة للاعب، يقدر أنه يعطي أكثر ويكون التنافس أكبر”.
أصداء من المشاركين.. الشطرنج يوحّد المغرب
لتكتمل الصورة، جاء صوت المشاركين عبر الدكتورة مريم اليوسفي، عضو المكتب المديري للجامعة ورئيسة عصبة سوس ماسة للشطرنج، التي قدمت من أكادير بفريقين. وأكدت أن الوصول إلى بركان لم يكن رحلة سهلة، قائلة: “لقد قطعنا مراحل إقصائية كبيرة وشاقة للتأهل إلى هذه البطولة الوطنية”.
ولم تغفل الدكتورة اليوسفي البعد الاجتماعي والثقافي للتظاهرة، مشيرة إلى أن البطولة “مناسبة لبعض اللاعبين الذين لم يسبق لهم زيارة جهة الشرق، وهذا بحد ذاته مكسب”. وأعربت عن الانخراط التام لعصبة سوس ماسة وأنديتها في الرؤية الوطنية الجديدة، واختتمت بعبارة بليغة تلخص روح الشطرنجيين: “نحن منخرطون في البرنامج الوطني للجامعة، وأينما حلت هذه البطولات، نرتحل معها ونحضر”.
وهكذا، لا تعد بطولة بركان مجرد منافسة على لقب وطني، بل هي تجسيد حي لرؤية مشتركة، وإشارة قوية على أن لعبة الأذكياء في المغرب، بفضل تكاتف جهود جميع مكوناتها من جامعة وعصب وأندية ولاعبين، قد وضعت قطعها بشكل استراتيجي على رقعة المستقبل، متطلعة إلى تحقيق نقلات نوعية تعيد للمملكة مكانتها الرائدة في هذه الرياضة الذهنية العريقة.