ظهور المعارض الجزائري رشيد نكاز في مراكش منتصف رمضان 1446، كشف للمغاربة وجها آخر من أوجه العدوان الجزائري المستمر ضد المغرب منذ نصف قرن. فقد عمد الملياردير الجزائري المقيم بفرنسا عبر فيديو بثه من أمام مسجد الكتبية الشهير، إلى مهاجمة الوحدة الترابية للمملكة ووصف المغاربة بالمحتلين للصحراء، وتطاول على تاريخنا من خلال الترويج لخطاب القرصنة والسطو على التراث المغربي الذي أصبح سياسة رسمية للنظام الجزائري في السنوات الأخيرة.
نحن أمام أسلوب جديد في الحرب التي تشنها الجزائر على وحدتنا الترابية وحضارتنا وتراثنا وتاريخنا. ويكمن وجه الجِدّة في الجرأة على مهاجمة المغرب من عقر دارنا ومن داخل مدننا ووسط شوارعنا بوجه مكشوف كالح. إنها محاولة لنقل المعركة إلى داخل المغرب، قصد توريط المغرب في مواجهات ذات طبيعة حقوقية ودولية من خلال افتعال أحداث مستفزة تؤدي إلى مواجهات إما مع المواطنين أو مع السلطات. ولكن الحادثة كشفت أيضاً من حيث لم يحتسب اليوتوبر النقّاز، عن تواطؤ وانخراط بعض من يُسمّون بالمعارضة الجزائرية في الخارج، في الحرب القذرة التي يشنها النظام العسكري الجزائري ضد كل ما هو مغربي دون فصل أو تمييز.
ويكفي أن نستعرض تصريحات المسؤولين الجزائريين مدنيين وعسكريين حول المغرب، وما يبثه الإعلام الرسمي الجزائري في قنواته وإذاعاته وصحفه، لنقف على حجم الهجمة الشرسة لقرصنة تاريخ وحضارة المغرب وكل مظاهر الإبداع والنبوغ فيه. فلم يَسْلم من محاولات السّطو حتى تراثنا المعماري، والأمر ليس جديداً فمنذ سنوات خلت سَوّقت الجزائر في مهرجان الشارقة بالإمارات سنة 2019، مئذنة الكتبية كتراث جزائري على ملصقها الرسمي. وقبل أقل من شهر في فبراير 2025 روّجت المؤسسة العسكرية الجزائرية شريطاً اشهارياً يَظهر فيه قصر آيت بن حدو على انه من المعالم السياحية للجزائر، مع أنّ هذا القصر مصنف من طرف اليونسكو ضمن التراث العالمي للمغرب. ورغم ذلك لم يَرْعَوِ جيراننا عن اقتراف تلك الجريمة التي حولتهم إلى مادة للسخرية على أشهر القنوات الإخبارية الدولية.
ولم تتوقف عملية السطو عند هذا الحدّ، بل امتدت لتسرق جهاراً نهاراً لباسنا التقليدي من قفطان وجلابة ومنصورية وبدعيّة وتكشيطة ودفينة وجابادور وغيرها من ألوان الألبسة التي عُرف بها المغاربة عبر العالم حتى صارت علامة مسجلة وأشهر من نار على علم. ثمّ تتالت السرقات وتنوعت لتشمل طقوس الزفاف المغربي وما يرافقه من أهازيج عيساوى ونـﮕافات والدّخلة بالعمّارية. حتّى إنّ الرايات المرافقة لمراسيم الزفاف المغربي تمت قرصنتها وبشكل كاريكاتوري يُظهر آثر الجريمة التي لم يتمكّن السارق من محوها، وهي شارة المملكة المغربية بالتّاج والأسَدَين التي بقيت تزين الأعلام الخضراء والحمراء. كما أن لازمة “الله ينصر مولاي السلطان” ظلت تدلّ على الأصل المَلَكي لأهازيج العُرس في جمهورية المسروقات.
لقد قرصَن جيراننا “فرقة تاﮔادا” هي الأخرى، وسرقوا مسلسلاً تلفزيونياً بأكمله وبكل تفاصيله رغم حلقاته الثلاثين، وهو مسلسل “حديدان” وموسيقى مسلسل “رمانة وبرطال” وتمّ عرضه كإنتاج جزائري على قناة تلفزيون جزائري دون وجل ولا خجل. وجاءت الطامة الكبرى وثالثة الأثافي حين قرصنوا ابن بطوطة وزعموا أنه جزائري وهو أشهر رحالة عالمي ولد في طنجة وتوفي بها.
إنّ ما يهمنا من هذه الوقائع وتحديداً من واقعة مراكش الأخيرة هو أن العدوان على المغرب لم يعد مقتصرا على أزلام النظام، كما كان يتوهم الكثير منّا، بل توسعت دائرته لتشمل بعض مكونات المعارضة التي كان رشيد نكاز إلى وقت قريب يعتبر جزءاً منها. ويمكنكم أن تستعرضوا مواقف الأحزاب الجزائرية من اليمين إلى اليسار بحثاً عن حزب سجل موقفه بوضوح من قضية الصحراء المغربية، وستقفون على حجم الكارثة.
هناك بعض الاستثناءات المشرفة ولكنها قطرة في بحر، ولا أذكر منها غير موقف الزعيم التاريخي لجبهة القوى الاشتراكية، الحسين آيت أحمد، أو بعض الشخصيات السياسية النزيهة ومنهم الرئيس المغدور محمد بوضياف، أو المرحوم عباسي مدني زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وبدرجة أقل لويزة حنون، زعيمة الحزب العمالي، رغم أن تصريحاتها قد تتضارب حسب قربها أو بعدها من النظام.
وبالعودة إلى رشيد “النقّاز” لفت انتباهي أنّه كان قبل أسبوعين فقط من دخوله المغرب قد نشر فيديو يتهجم فيه على المغرب ويمجد فيه الانفصال، ويستهزئ فيه بإمارة المؤمنين، ويهاجم فيه الملك الذي دعا إلى الامتناع عن أضحية العيد هذه السنة، بل إنه تمادى في غيّه وضلاله البعيد من خلال ربطه الجفاف الذي يضرب المغرب منذ سبع سنوات بعقاب إلهي بسبب ما سمّاه “تحالفنا مع الشيطان”.
وليت شعري من الشيطان فينا؟! المغرب الذي يتعرض لحرب شعواء ضد وحدة أراضيه منذ خمسة عقود؟ أم الجزائر التي شنت عليه حرب الرمال وحرب أمغالا الأولى والثانية، والحرب بالوكالة في الصحراء، والحرب الإعلامية والحرب الدبلوماسية؟ من الشيطان؟ المغرب الذي احتضن اللاجئين الجزائريين بالآلاف وجيش التحرير الجزائري وقواعده وقياداته بما فيهم رأس الغدر والخيانة بومدين وبن بلة؟ أم الجزائر التي جحدت الجميل والمعروف بارتكابها جريمة حرب ضد 45 ألف عائلة مغربية أي ما يقرب من نصف مليون مغربي تمّ اقتلاعهم من مساكنهم في الجزائر وتهجيرهم قسرياً وبالقوة في يوم عيد الأضحى سنة 1975؟
لا أدري حقاً من الشيطان؟ المغرب الذي أعاد خمسة جنود جزائريين اخترقوا الحدود بأسلحتهم ومركبتهم في منطقة الزّاك في دجنبر 2024، وبعد أقل من ساعتين فقط من اعتقالهم؟ أم الجزائر التي قتلت ثلاثة شبان في عمر الزهور كانوا يلعبون في شاطئ السعيدية سنة 2023، واحتجزت جثث بعضهم أربعة أشهر، في سلوك أرعن يخجل منه إبليس نفسه؟
من الشيطان؟ المغرب الذي عرض طائراته “الكنادير” لإطفاء الحرائق في بلاد القبائل وإنفاذ أرواح الضحايا؟ أم الجزائر التي تشعل نيران الحرب في الصحراء المغربية وتقتل المغاربة بسلاحها وبأيدي ميليشياتها في تندوف؟ من الشيطان؟ الذي يفتح أرضه للجزائريين دون تأشيرات رغم العدوان المستمر على وطننا؟ أم الجزائر التي أغلقت أجواءها بوجه الطائرات المدنية المغربية بما فيها تلك التي تنقل الحُجاج المغاربة إلى مكة المكرمة؟
فمن الشيطان إذن يا “نقّاز”؟ ومن الملاك؟! ولكن العيب ليس فيك، بل العيب فينا نحن! إذ كيف يُسمح لك بدخول المغرب رغم نشرك لذلك الفيديو المسيء للمغاربة ولملكهم ولوحدتهم الترابية؟ العيب فينا نحن الذين لا نستعمل مبدأ التعامل بالمثل بعد أن فرضت الجزائر التأشيرة على المغاربة؟ فالتأشيرة إجراء قانوني يسمح على الأقل للسلطات المغربية من التحقق من هوية وأنشطة وسيرة طالب الفيزا، تفاديا لدخول المجرمين ومن لهم سوابق في إهانة المغاربة او الإساءة لتاريخهم أو رموزهم.
إن الوقائع الملموسة خلال ستين سنة من استقلال الجزائر، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك والريبة أننا أمام دولة حاربت ولازالت تحارب المغرب. دولة تُعلن رسمياً عداءها وعدوانها على المغرب ولا تخفيه. لذلك علينا أن نتخذ الإجراءات اللازمة لحماية الوطن وردع المعتدين، وعلى رأسها فرض التأشيرة تحسباً لأي أعمال عدائية خلال التظاهرات الرياضية الإفريقية والعالمية بالمغرب.
وعلينا وضع قائمة سوداء بأسماء من يهاجمون المغرب سواء في وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر القنوات الدبلوماسية أو الحكومية أو الشعبية او الحزبية وغيرها. وبذلك نَحُول دون إفلات المجرمين من العقاب ونُمكّن المؤسسات الرسمية المغربية من حفظ ملفاتهم في أرشيفاتها لملاحقتهم أو على الأقل عدم السماح لهم بدخول المغرب أو الاستفادة من أي معاملة معه مهما طال الزمن أو قصُر.
وفي الأخير أنبّه في هذا السياق، من يعنيهم الأمر، إلى الأخذ مأخذ الجدّ تصريحات المسؤولين الجزائريين الذين أعلنوا مؤخرا بأنهم طلبوا من “الكاف” تراخيص واعتمادات رسمية لمائة صحافي جزائري قصد تغطية نهائيات كأس إفريقيا لكرة القدم التي ستقام بالمغرب سنة 2026!
ولا شكّ أنّ تغطية هذه التظاهرة لا يستدعي كلّ هذه الأعداد، ويحق لنا أن نتساءل عن طبيعة “المهام الخاصة” التي ستقوم بها هذه “السرايا” أو “الكتائب” المبعوثة من الجنرالات الجزائريين. وعلينا ألاّ ننسى أن الجزائر قد منعت الوفد الإعلامي المغربي من دخول الجزائر سنة 2022 لتغطية ألعاب البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة الى أنها قامت باحتجاز طاقم الصحفيين من قناة دوزيم وقناة الرياضية بالمطار، وصادرت كاميراتهم ومعداتهم. فهل نأخذ العبرة من التجارب أم ندسّ رؤوسنا في التراب؟