“حرقنا الحال! واش الناس تسقي وأنت ميت بالعطش؟” بهذه الكلمات الممزوجة بالغضب والأسى، لخص أحد سكان دواوير جماعة أنكاد المتاخمة للحدود الجزائرية، الوضع المأساوي الذي تعيشه ساكنة المنطقة منذ سنوات، والذي تفاقم ليبلغ ذروته في الأشهر الثلاثة الأخيرة مع انقطاع تام لمياه الشرب.
في تجمع احتجاجي عفوي، عبر سكان دواوير “ولاد رزين”، “ولاد عميرة”، “ولاد السعيدي”، “ولاد النوالي”، “ولاد عزوز”، و”الغلاليس”، عن سخطهم ومعاناتهم اليومية جراء أزمة عطش خانقة حولت حياتهم إلى جحيم، وجعلتهم يشعرون بأنهم “منعزلون عن المجتمع”، على حد تعبير أحدهم.
المفارقة الصادمة التي أججت غضب السكان تكمن في وجود بئر “حاسي” بالمنطقة، حيث يشاهدون يومياً صهاريج المياه وهي تملأ خزاناتها وتتجه لسقي حقول الخروب والزيتون والهندية، بينما هم، أصحاب الأرض، يضطرون لقطع مسافات طويلة تصل إلى 50 كيلومتراً لجلب بضع لترات من الماء، أو دفع 20 درهماً للطن الواحد للحصول على مياه الصهاريج التي توفرها الجماعة بشكل غير كافٍ.
يقول أحد المتضررين بحرقة: “عندما نرى أربعة صهاريج في الصباح الباكر تذهب للسقي، يحترق دمنا. كيف يعقل هذا في منطقكم؟ أن تمشي على قدميك بلا عقل، لأن المشهد يفقدك صوابك”. ويضيف آخر: “لقد بعنا مواشينا لأننا لم نعد نجد ما نسقيها به، والآن بقينا نحن، فهل نهاجر من ديارنا؟ أين نذهب؟”.
الأزمة ليست وليدة اليوم، بل هي مشكلة تمتد لثلاث سنوات، لكنها بلغت حداً لا يطاق مع الانقطاع الكلي للمياه منذ بداية فصل الصيف. ورغم الشكاوى المتكررة للسلطات والمنتخبين، لم يتلق السكان سوى وعود بالصبر.
من جهته، أكد فيزازي أحمد، مستشار جماعي حاضر وسط المحتجين، أن السلطات المحلية والجماعة على دراية تامة بالمشكلة وتعمل على إيجاد حلول، مشيراً إلى أن المسؤولية المباشرة تقع على عاتق الشركة المكلفة بتوزيع الماء (سابقاً لونيپ وحالياً شركة جهوية متعددة الخدمات)، والتي تربطها بالمواطنين عقود قانونية تلزمها بتوفير هذه المادة الحيوية.
وصرح المستشار قائلاً: “المواطن يؤدي ما عليه من مستحقات، ومن واجب الشركة أن توفر له الماء. نحن كسلطات ومنتخبين نصطدم دائماً بالشركة. الحل ليس في توفير صهاريج مؤقتة، بل في إيجاد مصدر ماء دائم، وهو ما نعمل عليه حالياً بالتنسيق مع السلطات الولائية لإيجاد مورد جديد”.
لكن بالنسبة للسكان الذين طفح بهم الكيل، لم تعد الوعود كافية. مطلبهم واحد وبسيط: “لا نريد شيئاً آخر، نريد الماء فقط!”. صرخة مدوية من مناطق حدودية تعاني التهميش، وتطالب بأبسط حقوق العيش الكريم، في ظل دولة الحق والقانون التي تضمن للمواطن حقه في الحياة والماء.