في خطوة تهدف إلى مواكبة المستجدات التشريعية الكبرى في المغرب، نظمت هيئة المحامين بوجدة، بشراكة مع جمعية اتحاد المحامين الشباب، دورة تكوينية مهمة حول “تفعيل مقتضيات القانون 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة”، بحضور نخبة من القضاة والمحامين والأكاديميين. وقد سلطت الندوة الضوء على فلسفة القانون الجديد وأهدافه الطموحة، بينما لم تغفل عن طرح الإشكاليات العملية والتحديات الواقعية التي قد تعترض تطبيقه.
وقد افتتح النقيب عبد الحفيظ بوشنتوف، نقيب هيئة المحامين بوجدة، أعمال الندوة مؤكداً أنها تندرج في إطار التكوين المستمر للمحامين لمواكبة قانون وصفه بـ”المتميز”، والذي يعكس توجهاً جديداً في السياسة الجنائية للمملكة، مشيراً إلى أنه رغم أهميته، يطرح إشكاليات متعددة تستدعي النقاش والتحليل. وفي السياق ذاته، أكد المحامي أحمد حالي أن هذا التشريع يعتبر “مولوداً قانونياً جديداً” يضع المغرب في مصاف الدول المتقدمة، موضحاً أن الندوة تأتي لمواكبة هذا المستجد وتعريفه للرأي العام والممارسين، ومشيداً بالشراكة المثمرة بين هيئة المحامين واتحاد المحامين الشباب في تنظيم هذا اللقاء العلمي الهام.
وقد تناولت المداخلات الأهداف العميقة التي يرتكز عليها قانون العقوبات البديلة، حيث أوضح المحامي يوسف وهابي أنها تتجاوز مجرد العقاب لتشمل أبعاداً إصلاحية وإنسانية، تتمثل في تقويم سلوك المحكوم عليه وإصلاحه، وإعادة إدماجه داخل المجتمع، والحد من حالات العود، بالإضافة إلى تخفيف الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية. كما ناقشت الندوة بالتفصيل الإشكاليات العملية المرتبطة بتطبيق هذه العقوبات، كالعمل لأجل المنفعة العامة، والمراقبة الإلكترونية، والغرامة اليومية، والتدابير التأهيلية والعلاجية.
غير أن هذا الطموح الإصلاحي يصطدم بتحديات واقعية سلط عليها الضوء المحامي رضا لكميحي، الذي ركز على الصعوبات التي قد تحول دون التنفيذ الفعال للقانون. وأثار لكميحي إشكالية تطبيق السوار الإلكتروني في ظل افتقار العديد من المناطق النائية والقروية لتغطية شبكة الاتصالات، مما يجعل مراقبة المحكوم عليه أمراً صعباً. كما تطرق إلى المركز القانوني للضحية، متسائلاً عن مدى إلزامية تنازلها كشرط للاستفادة من بعض العقوبات البديلة، ليخلص إلى أن “الأيام المقبلة ستكون كاشفة” وستثبت مدى نجاعة هذا القانون من الناحية العملية.
وهكذا، شكلت الندوة منصة حيوية لتبادل الأفكار وتعميق الفهم حول قانون العقوبات البديلة، حيث أجمعت المداخلات على أنه يمثل نقلة نوعية في المنظومة العدلية المغربية، لكن نجاحه يبقى مرهوناً بالقدرة على تجاوز التحديات التقنية واللوجستية والقانونية، وهو ما يتطلب تضافر جهود كافة الفاعلين في حقل العدالة