في قلب مدينة وجدة، يقف صرح معماري حديث ومتكامل، كان من المفترض أن يكون شريان الحياة لصناع تقليديين مهرة وشاهدًا على إبداعهم، إلا أنه تحول إلى فضاء يصارع الركود والإهمال. إنها قرية الصناعة التقليدية، التي تطلق من خلال حرفييها صرخة استغاثة صامتة، علّها تجد آذانًا صاغية لدى المسؤولين وساكنة المدينة، لإنقاذ هذا المشروع الطموح من مصير مجهول.
“القرية محلولة، ولكن حتى شي واحد ما جا دار شي نشاط هنايا”، بهذه العبارة المفعمة بالمرارة، تلخص إحدى الصانعات الواقع المؤلم. فالمكان مجهز بكل ما يلزم من محلات نظيفة ومرافق متكاملة، لكنه يفتقر إلى أهم عنصر: الزوار. وتضيف بحرقة، موجهة رسالة مباشرة إلى من يعنيهم الأمر: “كنطلبو من المسؤولين دوك المعارض اللي كيدارو على برا بالملايير، يبقاو يديروهم لنا هنايا”. هي دعوة منطقية لتحويل هذا الفضاء إلى وجهة رئيسية للفعاليات، فذلك من شأنه أن يضخ فيه الحياة ويعرّف الناس بكنوزه البشرية والتراثية المخبأة بين جدرانه. ففي غياب هذه الدينامية، يبقى الصانع وحيداً مع إبداعاته التي لا تجد من يقدّرها.
الأزمة، كما يصفها صانع آخر، لا تقع على عاتق جهة واحدة، بل هي مسؤولية مشتركة. فهو يرى أن المكان “لم يأخذ حقه، لا من الصانع التقليدي ولا من المسؤول”. ففيما يغيب الدعم الرسمي والترويج الفعّال للمكان، يلاحظ أيضاً أن بعض المستفيدين أنفسهم لا يلتزمون بفتح محلاتهم بانتظام، مما يعمق الشعور بالفراغ ويقتل أي محاولة لخلق حركة تجارية. إن هذا الوضع يفرض ضرورة تضافر الجهود؛ فالمسؤول مطالب بوضع خطة إنقاذ عاجلة، والصانع مدعو للإيمان بمشروعه والتمسك به.
وراء هذا الركود، قصص معاناة يومية وحالة من الإحباط تتسلل إلى نفوس الحرفيين. “ملي كتلقا راسك بوحدك بحال اللي كيجيك إحباط”، يقول أحد الصناع الذي يقضي يومه من الصباح إلى المساء في انتظار زبون قد لا يأتي، وهو شعور لا يهدد الإبداع فحسب، بل يهدد مصدر رزق عائلات بأكملها. ومع ذلك، فإن شعلة الأمل لم تنطفئ بعد، إذ يحاول هؤلاء الصناع، بمبادرات فردية متواضعة، الترويج لأنفسهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لإيصال صوتهم بأن هذا الفضاء يزخر بجميع أنواع الصناعات، من البلوزة الوجدية والقفطان إلى النجارة والجلابة، وكل ما يمثل هوية المنطقة.
إنها دعوة صريحة ومباشرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. دعوة للمسؤولين لـ”تحريك” هذا الفضاء وإخراجه من سباته العميق، ودعوة لساكنة وجدة وزوارها لاكتشاف هذا الكنز المنسي، فزيارتهم لن تكون مجرد تسوق، بل دعماً حقيقياً للتراث المحلي وتشجيعاً لأناس كرسوا حياتهم للحفاظ عليه. فهل سيُسمع هذا النداء وتعود الحياة لتدب في أروقة القرية، أم ستبقى مجرد “تحفة” صامتة تشهد على فرصة ضائعة؟