تغرق الأحياء المجاورة لجامعة محمد الأول بوجدة، مع مطلع كل موسم جامعي، في فوضى عارمة يغذيها جشع “سماسرة” ومنتحلي صفة، ممن وجدوا في حاجة الطلبة الوافدين إلى سكن مأوىً سهلاً لمضاعفة أرباحهم بطرق غير مشروعة. هذه الظاهرة التي باتت تؤرق الأسر المغربية، وتحديداً “ولاد الشعب” القادمين من مناطق بعيدة، تعتمد أساساً على استغلال غياب أصحاب المنازل الأصليين، سواء كانوا من مغاربة العالم أو القاطنين بمدن أخرى، حيث يقوم هؤلاء الوسطاء بفرض “قانون الغاب” في سوق كراء الغرف والشقق، رافعين السومة الكرائية إلى مستويات قياسية لا تتناسب بتاتاً مع الوضعية الاجتماعية للطلبة أو جودة السكن المعروض.
وما يزيد من حدة هذا الاستغلال، هو لجوء هؤلاء “المالكين المفترضين” إلى فرض شروط مجحفة وتعجيزية، مستغلين عدم دراية الطلبة بالمساطر القانونية، حيث يتم الكراء بعيداً عن أي توثيق رسمي أو عقود تضمن حقوق الطرفين. هذا “الكراء بالأسود” ليس مجرد استنزاف لجيوب الطلبة، بل هو عملية تهرب ضريبي ممنهجة تحرم خزينة الدولة من موارد مهمة، وتجعل من هذا القطاع بؤرة للعشوائية والريع العقاري. فالسمسار هنا لا يكتفي بدور الوسيط، بل ينصب نفسه “صاحب ملك” يقرر الثمن ويفرض الزيادات السنوية دون حسيب أو رقيب، مستغلاً في ذلك غياب لجان المراقبة التابعة لمصالح الضرائب والسلطات المحلية التي يقع على عاتقها ضبط هذه التجاوزات التي تضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص في التحصيل العلمي.
إن الوضعية المقلقة في أحياء مثل “القدس” و”حي الأندلس” بوجدة، تستدعي تدخلاً حازماً من الجهات الوصية لوضع حد لهذا النزيف المادي والمعنوي الذي يتعرض له طلبة جامعة محمد الأول. فبينما يصارع الطالب من أجل ضمان مقعد دراسي وتدبير لقمة العيش، يجد نفسه مضطراً لمواجهة “لوبيات” لا هم لها سوى مراكمة الأرباح على حساب معاناة الطبقات المسحوقة. وتتعالى الأصوات اليوم بضرورة تفعيل آليات الرقابة الزجرية، وإجبار هؤلاء الوسطاء على التصريح بالمداخيل الكرائية، مع حماية الطلبة من الطرد التعسفي ومن “السمسرة المقنعة” التي حولت محيط الجامعة إلى سوق مفتوح للمزايدات العقارية، بعيداً عن أي وازع أخلاقي أو التزام وطني.







