اقتراح حجب الثقة او ملتمس الرقابة في فرنسا هو أداة برلمانية سمحت لأعضاء الجمعية الوطنية بفرنسا بسحب الثقة من الحكومة.
علما انه يمكن للمعارضة في فرنسا تقديمه عندما تعارض قرارًا أو سياسة الحكومة بشكل عام ، ولكي يتم اعتماد الملتمس ، يجب أن يحصل على الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية، أي 289 صوتًا من أصل 577. واذا تم قبول الاقتراح تُجبر الحكومة المشكلة من رئيس الوزراء والوزراء على تقديم استقالتها ويعمد رئيس الجمهورية إلى تعيين رئيس وزراء جديد أو، في بعض الحالات، يمكنه حل الجمعية الوطنية لكون الدستور الذي يعتبر قانون القوانين loi des lois يمنحه هذا الحق (الفصل 12 من دستور فرنسا) ، والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة.
اقتراح حجب الثقة لا يؤثر بشكل مباشر على رئيس الجمهورية، لأنه منتخب بالاقتراع العام المباشر ولا يمكن للجمعية الوطنية أن تضع حداً لولايته اذ بحتفظ الرئيس بصلاحياته حتى لو تم إسقاط الحكومة
و في حالة حدوث أزمة سياسية كبيرة، إذا أطيح بالحكومة وأصبحت الأزمة غير قابلة للإدارة، قد يضطر الرئيس إلى الدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة، لكن لا يمكن إقالته مباشرة من خلال اقتراح حجب الثقة او ملتمس الرقابة .
للإشارة عرف المغرب اول ملتمس للرقابة سنة 1964وقعه نواب حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ،وسمي انذاك بالمؤامرة ،بهدف سحب الثقة من الحكومة والذي تم ربطه انذاك باجندة خارجية يقصد بها الجزائر ،الا ان الفريق النيابي ربطه بتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والبطالة المتفشية والقمع والضغط في كل جهات المغرب ،وكان الملتمس الذي استند على الفصل 81من دستور 1962 والذي ينص على إمكانية الاعتراض على مواصلة الحكومة لمسؤولياتها عبر طلب يوقعه عشر اعضاء مجلس النواب ولا يصبح ساريا الا اذا أقرته أغلبية الأعضاء ،عبارة عن مفاجأة سواء بالنسبة لحزب الأغلبية وكان انذاك هو حزب “لفديك”او حتى للغير ،اذ كانت معركة عنيفة بين مقدمي الملتمس وبين الحكومة التي قيل لها انها نجحت في البقاء لكون الانتخابات لم تكن حرة ونزيهة ،ولكنها انهزمت معنويا امام جلالة الملك وامام الشعب وحتى امام نوابها .
اما ملتمس الرقابة الثاني الذي عرفه المغرب سنة 1990 ،فقد وقع الملتمس بخصوصه نواب فرق وأحزاب المعارضة بمجلس النواب المنتمين لكل من حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديموقراطي الشعبي ، وقدم اعتبارا للنتائج المالية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أدت اليها السياسة الحكومية المتبعة القائمة على اختيارات لا شعبية والتي اوصلت البلاد الى اوضاع متردية وازمات متفاقمة مما اصبح ينذر بأوخم العواقب نتيجة معاناة المواطنين في حياتهم اليوميةمن جراء تقلص الدخل وضعف الاجور وارتفاع الأسعار وانخفاض القدرات الشرائية وتدني مستوى العيش وتفشي البطالة واتساع الأمية وانتشار الافات وتدهور الخدمات الاجتماعية في ميادين التشغيل والتعليم والتكوين والصحة والاسكان بالاضافة الى التضييق المتواصل على ممارسة الحقوق والحريات العامةوالفردية والسياسية والنقابية وامتهان للكرامة الانسانية ،وانتشار متصاعد للفساد الاداري والرشوة واستغلال النفوذ مع مظاهر البذخ والبهرجة والتبذير ، وقد اعتمد النواب انذاك في تقديم ملتمس الرقابة على مقتضيات الفصل 75 من الدستور انذاك معتبرين ان هذا المقتضى الدستوري يمنح احزاب المعارضة بمجلس النواب فرصة لمحاولة إعطاء المصداقية لدور مجلس النواب ليقوم بدوره الدستوري في مراقبة الحكومة
.
واذا كان وضع ملتمس الرقابة هو مظهر من مظاهر تعزيز دولة القانون ودولة المؤسسات فهو تطبيق لحق دستوري يخوله أسمى قانون في البلاد للمعارضة للقيام بدورها داخل المؤسسة النيابية خصوصا اذا علمنا ان نسبة عالية من المواطنين لم تعد تثق بالبرلمان وصار الاعتقاد السائد ان اللعبة النيابية مغشوشة وغير ذات جدوى لأنهم لا يلمسون للمجلس التشريعي اثرا إيجابيا في حياتهم ومعيشتهم ، لذلك فان هذا المقتضى حتى وان لم يحقق المبتغى بسبب الشروط التعجيزية فانه يفتح النقاش للقول بان الثقة مسحوبة من الحكومة من طرف الرأي العام ودق نواقيس الخطر وبناء لبنة اخرى في تصحيح المسار الديموقراطي للمؤسسات الدستورية واستخلاص العبر ،
وقد نص دستور 2011 الذي خول للمعارضة بمجلس النواب ما لم تخوله الدساتير السابقة ،حق معارضة مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها عن طريق التصويت على ملتمس الرقابة اذا وقعه على الأقل خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس ولا تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من طرف مجلس النواب الا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم وتؤدي الموافقة على ملتمس الرقابة الى استقالة الحكومة استقالة جماعية ، ويعد هذا الملتمس من اخطر الآليات التي يتوفر عليها البرلمان الذي يجب الا يظل مجرد غرفة للتسجيل
سليمة فراجي