استطاع الأستاذ ابن مسعود ياسين مدير موقع مغرب القانون، المحامي بهيئة المحامين بوجدة ورئيس مركز مغرب القانون للدارسات والأبحاث القانونية نهاية شهر يناير الماضي من انتزاع حكمين قضائيين لافتين من المحكمة الابتدائية بوجدة، وهما الحكمين الذين أكدا مسؤولية شركة الخطوط الجوية الملكية المغربية عن ما يعرف بحالة رفض الركوب REFUS D’EMBARQUEMENT أي منع المسافر من الركوب على الرغم من حجزه لتذكرة إذا صادف تجاوز عدد التذاكر لعدد مقاعد الطائرة أي ما يعرفSurbooking، إذ أقر الحكمين الحديثين جدا أحقية المتضررين في التعويض المادي.
ويعرف المشرع المغربي حالة رفض الركوب في المادة 222 من القانون رقم 40.13 المتعلقة بالطيران المدني التي تنص على أنه:
” إذا قرر ناقل جوي رفض ركوب مسافر في رحلة ما وكان يتوفر على حجز تذكرة تم تأكيده بالنسبة إلى هذه الرحلة، وجب عليه أولا الالتجاء إلى المتطوعين الذين يقبلون التخلي عن حجزهم مقابل بعض الخدمات حسب إجراءات يتفق عليها المسافر المعني مع الناقل الجوي المذكور. ويستفيد المتطوعون علاوة على الخدمات المذكورة من مساعد وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 223أدناه.
إذا كان عدد المتطوعون غير كاف لتيسير ركوب المسافرين الآخرين الذين يتوفرون على حجز، جاز للناقل الجوي رفض ركوب مسافرين دون الحصول على موافقتهم. وفي هذه الحالة، يمنح الناقل الجوي رفض ركوب مسافرين دون الحصول على موافقتهم. وفي هذه الحالة، يمنح الناقل الجوي فورا تعويضا لهؤلاء المسافرين طبقا للمادة 230أدناه ويقدم لهم المساعدة وفق الشروط والكيفيات المحددة في نص تنظيمي”.
وقد جاء في تفاصيل المقال الافتتاحي للقضية أن المدعي “.. قام بتاريخ 25/07/2022 بحجز إلكتروني لتذكرة طيران عبر الخط الرابط بين الدار البيضاء ووجدة وذلك عبر الرحلةذات الرقم AT 1402التي تصل لوجدة على الساعة ال18:25 دقيقة ، إلا أنه فوجئ بالناقل الجوي المدعى عليه يشعره بإعمال حالة رفض الركوب في حقه طبقا لمقتضيات المادة 222 من القانون رقم 40.13 المتعلقة بالطيران المدني نظرا لأن عدد التذاكر المحجوزة تتجاوز عدد مقاعد الطائرة.
إذ إن الناقل الجوي المدعى عليه حين اكتشف أن عدد التذاكر المحجوزة أكثر من مقاعد الطائرة surréservation أو Le surbooking en avion، وبحث عن متطوعين يتخلون عن حجزهم ولم يجد عددا كافيا لتيسير إقلاع الطائرة أعمل تقنية “رفض الركوب أو الإركاب” أو ما يعرف بالفرنسية REFUS D’EMBARQUEMENT أو NON EMBARQUEMENT التي خولها له المشرع لتيسير إقلاع الطائرة على الرغم من وجود فائض بالحجوزات إذ فرض على المدعي مقتضيات عدم الركوب وسلم للجهة المدعية شهادة تثبت ذلك مع تحويله لرحلة أخرى تحمل الرمز AT1400 تصل لمدينة وجدة بعد منتصف الليل”
وبخصوص الضرر الذي لحق المدعي فقد جاء في مقاله الافتتاحي أنه ” كان يرغب في الوصول لوجدة على الساعة ال18:25 دقيقة لتنفيذ مهام لا تقبل التأجيل خاصة أنه يشتغل موثقا بالمجلس الجهوي للموثقين بوجدة إلا أن الجهة المدعى عليها لم تلتزم بموعد الطائرة وفرضت عليه “رفض الركوب”. وهو الذي كان مرفوقا بابنته التي كانت في مرحلة اجتياز امتحانات الولوج لمعاهد التعليم العالي بعد حصولها على شهادة البكالوريا”
وفي هذا الصدد اعتبر دفاع المدعي في مقاله الافتتاحي ” أن إعمال شركة الطيران لتقنية “رفض الركوب” المنصوص عليه في المادة 222 يقتضي بالموازاة إعمال مقتضيات المواد 223 و 227 و 230 من القانون المتعلق بالطيران المدني والتي تفرض على الناقل الجوي توفير المساعدة للمسافرين المتضررين من تقنية رفض الركوب مع الالتزام داخل أجل أسبوع من تاريخ الرحلة بإرجاع نسبة من مبالغ التذكرة. إلا أن الناقل الجوي في شخص الخطوط الجوية الملكية المغربية أعمل المقتضيات المقررة لصالحه فقط وهي “رفض الركوب” دون أن يلتفت إلى ما أقره المشرع بالموازاة لمصلحة المسافرين وهي توفير المساعدة المنصوص عليها في المادة 223 والتعويض المنصوص عليه في المادة 230.”
مع التنبيه أن “رفض الركوب” الحاصل يرجع لأسباب مباشرة للناقل الجوي الذي منح الإذن بحجز تذاكر تتجاوز مقاعد الطائرة موضوع الرحلة”
وقد اعتبر دفاع المدعي أيضا في إطار دفوعاته أن ” شركة الخطوط الملكية المغربية استغلت عدم توازن العلاقة التعاقدية باعتبار المنوب عنه طرفا ضعيفا ولم تلتزم حتى بمقتضيات المادة 217 من قانون الطيران المدني والتي تنص على أنه:
” يجب على كل ناقل جوي يبيع خدمات النقل الجوي بالمغرب:
• أن يضع رهن إشارة المسافرين في جميع نقط البيع بيانا موجزا عن الاحكام الرئيسية الجارية على مسؤوليته إزاء المسافرين وأمتعتهم ولاسيما الإجراءات الواجب اتباعها لإقامة دعوى تعويض وكذا شروط تقديم تصريح خاص بالأمتعة؛
• أن يضع رهن إشارة المسافرين بوابة إلكترونية خاصة بإخبارهم عن المعايير والقواعد المتعلقة بالتعويض والمساعدة؛
• أن يحرص على تعليق إشعار يتضمن النص التالي، مطبوعا بحروف واضحة جدا، بمكان ظاهر للعيان في منطقة التسجيل: “إذا تم رفض ركوبكم في الطائرة او تم إلغاء رحلتكم أو تأخيرها بساعتين على الأقل، اطلبوا من شباك التسجيل أو في باب الركوب الإطلاع على النص الذي يتضمن حقوقكم ولاسيما فيما يخص التعويض والمساعدة.”
وبالتالي فإن الجهة المدعى عليها لم تلتزم بواجب النصح الملقى على عاتقها طبقا للمادة أعلاه مما يعتبر تدليسا فوت عليها المطالبة بالتعويض والمساعدة المنصوص عليها في المواد أعلاه ، باعتبار المشرع أوردها حفاظا على حقوق المسافرين في المطارات. كما أنها استغلت تقنية “رفض الركوب” لتحقيق مصلحتها الانفرادية والإضرار بمصلحة المسافرين. يضيف المقال الافتتاحي.
وقد اعتبر الحكمين الذين تم استصدارهما من المحكمة الابتدائية بوجدة ويتوفر موقع مغرب القانون على نسخة منها، الأول ذي المراجع ملف مدني رقم 1408/1201/2024 حكم رقم 60 بتاريخ 23/01/2025 والثاني ذي المراجع ملف مدني 1409/1201/2024 حكم رقم 61 بتاريخ 23/01/2024 أن:
” تمسك المدعى عليه (أي الخطوط الجوية الملكية المغربية) أن سبب إلغاء الرحلة كان نتيجة ظرف قاهر واستثنائي يبقى أمرا مردودا عليه خاصة وأن السبب هو تجاوز التذاكر المحجوزة لعدد المقاعد المتوفرة وهو سبب ناتج عن تهاون في القيام بدورها في مراقبة عدد الأماكن المحجوزة وأن المراقبة لا تدخل في إطار الظروف الاستثنائية والقوة القاهرة ما دام أنه يمكن توقعه وتوقيف الحجوز الخاصة بهاته الرحلة”.
ويضيف الحكم وهو بصدد تعليل منطوقه: ” أن تأخير الرحلة التي كان سيستفيد منها المدعي وتأخير سفره دون إثبات وجود ظرف استثنائي يمكن تفاديه لو ان الجهة المدعى عليها قد قامت بجميع الالتزامات المفروضة عليها قانونا مما يجعلها مخلة في التزاماتها طالما أن السبب المذكور هو المتسبب في عدم إركاب المدعي.”
ولم يغفل الحكم الإشارة إلى القوة الملزمة للعقد الرابط مع الناقل الجوي والمتمثل في تذكرة الطيران حيث جاء في تعليله: ” أنه وإعمالا للقاعدة القانونية أن العقد شريعة المتعاقدين طبقا لمقتضيات الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود فإن المدعى عليها تبقى مسؤولية تجاه اتجاه المدعي وملزمة بتعويضه عن الضررين المادي والمعنوي اللاحقين به نتيجة الخطأ الصادر عنها في حقه وخاصة الضرر الناجم عن عدم تمكين المدعي من الرحلة في التوقيت المتفق عليه رغم أدائه لواجبات تذكرة السفر.
كما أنه لم يثبت قيام المدعي بأي تقصير من جهته خاصة وأنه كان يتواجد بالمطار في التوقيت المطلوب.”
وعليه فقد قضى منطوق الحكم الأول رقم 60 بإلزام شركة الخطوط الجوية الملكية المغربية بأداء تعويض قدره 3 ملايين سنتيم للمسافر، والحكم الثاني بأداء تعويض قدره 15000 درهم للمسافرة.
وقد اعتبر الأستاذ ابن مسعود في حوار صحفي أن هذا الحكم يعتبر سابقة في المغرب، لأنه لا يتعلق بالحالات الكلاسيكية لإلغاء الرحلة أو تأخيرها، بل بحالة “رفض الركوب” التي خصها المشرع بمقتضيات خاصة جدا، والتي تعني أن الطائرة ستقلع في وقتها لكن التذاكر المحجوزة تتجاوز عدد مقاعد الطائرة، وبالتالي فإذا كان القانون في المادة 222 من قانون الطيران المدني قد سمح بذلك للناقل الجوي ووضع آلية لتيسير الإقلاع بالشكل الذي يؤدي إلى تعديل عقد النقل انفراديا من طرف الناقل الجوي، إلا أنه لا يمكن التعسف في استعمال هذا الحق بما يضر المسافرين بل لا بد من مصاحبتهم طبقا للإجراءات التي نصت عليها مدونة الطيران المدني.
وعليه فاستصدار هذا الحكم هو محاولة لنشر الوعي القانوني بهذا الموضوع خاصة أن أغلب المواطنين لا يعرفون ماذا يفعلون تُجاه حالة “رفض الركوب” التي تسجلها الرحلات الجوية في المملكة. وعليه فالمحامي لا ينظر إلى هذه الأمور بمقياس مادي بل ينظر إليها كرسالة يجب أن يقدمها للمجتمع من اجل تحصين حقوقه.
وأضاف المحامي الشاب أن المقتضيات القانونية الجاري بها العمل في المغرب لا تُطبق على الوجه السليم بسبب صعوبة الولوج للمعلومة القانونية السليمة، مورداً أن مستعملي الطائرة يحتجون حين يمنعون من ركوب الطائرة على الرغم من توفرهم على تذكرة مؤدى عنها؛ لكن لا يطلبون شهادة رفض الركوبAttestation de non embarquement ولا يلجؤون إلى القضاء.
ويُشير ابن مسعود، إلى أن رفض ركوب الطائرة قد يكون أمراً عادياً لمسافر عادي؛ لكن حين يرتبط السفر بمواعيد مهمة وأغراض عاجلة للمتنقل يُصبح ضرر رفض الركوب وعدم الحصول على المساعدة ضررا جسيما ومضاعفا.
وعليه فإن الهدف من رفع هذه الدعوى ضد شركة الطيران يضيف الأستاذ ابن مسعود هو في الحقيقة “تكريس لثقافة المسؤولية لدى أكبر شركة للنقل الجوي بالمغرب، مشيراً إلى أن المحامين باعتبارهم رجال قانون يجب عليهم المساهمة في “تهذيب سلوك الشركات الكبرى التي تعتبر أغلبية عقودها ذات طابع إذعاني من خلال تفعيل المقتضيات القانونونية ذات الطابع الحمائي لمستهلك خدمات النقل الجوي”.
كما يبقى الهدف أيضا هو تكريس مبدأ اعتبار التأخر أو عدم التزام الناقل الجوي المتعاقد معه في الوصول في الوقت المحدد في التذكرة يُرتب مسؤولية تتطلب تعويضاً ماديا وليس معنويا فقط؛ لأن الوقت يُساوي الكثير، والتأخير قد يُعطل مواعيد مهمة للمسافر مثل عقد صفقات أو اجتياز مباريات الوظيفة أو استكمال السفر أو التطبيب أو اجتياز امتحان”.
وقد أكد الأستاذ ابن مسعود في الأخير على أن القضاء المغربي يعتبر سباقا لضمان توازن العلاقة التعاقدية من خلال أحكام قضائية معللة وتعتبر بطاقة تعريف لنوعية القضاء المغربي الذي يواكب مستجدات العصر، كما أن نشرها يشكل آلية لبث الوعي القانوني في المجتمع، لذلك -يختم الاستاذ ابن مسعود- أنه حين استقبل الراحل المغفور له الحسن الثاني أعضاء المجلس الأعلى للقضاء ورؤساء الغرف للمجلس الأعلى يوم 24 أبريل 1995 مدح القضاء بتعليلاته وفلسفته ومسبباته حيث جاء في نص كلمته: أحثكم بجدية وتأكيد على إصدار المجلات القضائية التي تصدر فيها أحكامكم، لأنني كنت أقرأ بعض الأحكام قبل خمسة عشر أو عشرين عاما، وكانت تلك الأحكام بتعليلها تشرف المغرب، وتشرف قضاء المغرب ولي اليقين أن هؤلاء القضاة مازالوا موجودين عندنا، وهذه النوعية من القضاء موجودة عندنا، فعلينا أن نعرف بفلسفتنا القضائية والمسببات القضائية، فسيكون ذلك إثراء لجميع القضاة أولا، وسيكون مرجعا من المراجع فيما إذا حدث حادث ، وسيكون بطاقة تعريف لنوعية القضاء المغربي وما يشتمل عليه من اجتهاد في الرأي ومن ابتكار في تكوين القضاة”.