في مفارقة تثير القلق وتستدعي تدخلاً عاجلاً، تحولت بعض الشقق في مشاريع السكن الاقتصادي الحديثة بمدينة وجدة، والتي لا تبعد سوى أمتار قليلة عن مقر ولاية الأمن، إلى بؤر منظمة للدعارة والاستغلال الجنسي. خلف واجهة السكن الذي وُجد ليحتضن أحلام الأسر بالاستقرار، تُنسج شبكات إجرامية خيوطها بعناية، مستهدفة فتيات في مقتبل العمر، بعضهن قاصرات لم يتجاوزن السابعة عشرة من العمر.
إن ما يجري ليس مجرد انحرافات فردية، بل هو ظاهرة منظمة تعتمد على أدوات العصر الرقمي. فمن خلال تطبيقات المحادثات والمواعدة الشهيرة، التي تبدأ بحرفي “Say” ، يتم استدراج الزبائن والتفاوض معهم ببرود تام على أسعار تتراوح بين 200 و300 درهم، في سوق بشري مهين لا يراعي كرامة ولا إنسانية. يتم إرسال عنوان الشقة عبر هذه المنصات الرقمية، لتصبح التكنولوجيا جسراً مباشراً نحو الجريمة.
المثير للانتباه هو الهيكلة الدقيقة لهذه العمليات داخل الأوكار. فالزبون لا يلتقي بالضرورة الفتاة التي تفاوض معها، بل يجد في استقباله “وسيطة” تستلم المبلغ المالي، ثم تستدعي ضحية أخرى من غرفة مجاورة، مما يؤكد وجود شبكة منظمة تدير هذا النشاط وتجني أرباحاً طائلة من وراء استغلال ضعف هؤلاء الفتيات وحاجتهن.
إن هذا الوضع المقلق يتزامن مع مرحلة حاسمة تمر بها عاصمة الشرق، حيث ترتفع مشاريع كبرى مثل “وجدة سيتي سنتر” شاهدةً على طموح المدينة نحو الحداثة. لكن هذه التنمية العمرانية يجب ألا تحجب الخطر الذي يهدد النسيج الاجتماعي لهذه الأحياء الجديدة، والتي قد تتحول بسبب غياب الرقابة والتأطير إلى أرض خصبة للجريمة المنظمة.
هذه ليست مجرد شكاوى عابرة، بل هي صرخة من قلب هذه الأحياء، ورسالة مباشرة ومستعجلة إلى مصالح الأمن الوطني، التي نقدر جهودها الجبارة، ونلتمس منها تكثيف عمليات الرصد والمراقبة، خاصة مع اقتراب فصل الصيف وعودة الجالية المغربية. إن الأساليب الرقمية التي تستخدمها هذه الشبكات تتطلب مقاربة أمنية متطورة تعتمد على التتبع التقني لتجفيف منابعها.
لا يكمن في المقاربة الأمنية وحدها، بل هو مسؤولية مشتركة. يجب على سكان هذه الأحياء التحرك فوراً لتأسيس وداديات سكنية فعالة تكون خط الدفاع الأول، وتجهيز مداخل العمارات بكاميرات مراقبة قانونية لردع المجرمين. إن حماية صورة وجدة الحديثة تبدأ من تحصين أحيائها وحماية شبابها، قبل أن يصبح الحلم بالسكن الاقتصادي كابوساً يهدد أمن المجتمع بأكمله