تستقبل مدينة وجدة بكل فخر وشغف عودة مهرجانها الدولي للراي، هذا الحدث الذي لا يمثل مجرد تظاهرة فنية، بل هو بمثابة إعلان صريح عن تجذر الهوية الثقافية لعاصمة الشرق، وإرثها الفني الأصيل الذي عبر الحدود والقارات. إن هذه العودة المنتظرة هي نبض حياة جديد للمدينة وفرصة للاحتفاء بكنزها الأغلى.
تأتي هذه الدورة في سياق جيوسياسي دقيق، حيث لم يعد الراي فناً للاستمتاع فقط، بل أصبح رهاناً تراثياً في مواجهة محاولات الجارة الجزائر الاستحواذ على هذا الإرث المشترك. هذا الوضع يضع على عاتق منظمي المهرجان مسؤولية وطنية جسيمة، فالمهرجان اليوم هو واجهة المغرب الثقافية وخط دفاعه الأمامي عن تراثه. أي خطأ أو ارتجال في التنظيم لن يكون مجرد هفوة عابرة، بل سيُقرأ في سياقات أوسع.
وهنا تبرز أولى التحديات الكبرى في فلسفة البرمجة الفنية نفسها. فبينما يُفترض أن يكون المهرجان احتفاءً برواد الراي وأبنائه البررة، نلاحظ بأسف وجود أسماء فنية ضمن البرمجة بعيدة كل البعد عن عالم الراي وهويته. إن الانفتاح على ألوان موسيقية أخرى مطلوب، لكنه يصبح نقطة ضعف حين يأتي على حساب جوهر المهرجان وهدفه الأسمى، وهو الحفاظ على تراث الراي. هذا التوجه يثير تساؤلات مشروعة حول مدى فهم القائمين على البرمجة لعمق الرسالة المطلوبة.
الأخطر من ذلك، هو أن استقدام فنانين من خارج حقل الراي يأتي في كثير من الأحيان على حساب الطاقات الفنية المحلية الوجدية ونجوم الراي المغاربة الذين هم حماة المعبد الحقيقيون وأصحاب الفضل في استمرارية هذا الفن. إن تهميش هؤلاء الفنانين هو تهميش لذاكرة المهرجان نفسه، ويُضعف من الحجة المغربية التي نسعى جميعاً لترسيخها.
إن نجاح هذه الدورة التاريخية لا يُقاس فقط ببريق الأسماء المشاركة أو حجم الميزانية المرصودة، بل بمدى الحكمة في إدارة هذه الميزانية وذكاء الاختيارات الفنية. والمطلوب اليوم هو رؤية تنظيمية واضحة، تدرك أن مهمتها ليست فقط صناعة الفرجة، بل أيضاً حماية الهوية وتقديم رسالة ثقافية متماسكة. إن اختيار الشركاء المناسبين، خاصة على المستوى الإعلامي، القادرين على فهم هذه الرهانات الدقيقة وإبراز الصورة بالشكل الذي يخدم أهداف المهرجان الوطنية، لم يعد ترفاً بل ضرورة حتمية.