في قلب قرية الصناعة التقليدية بمدينة وجدة، تقف السيدة نجاة الفاطمي، رئيسة “التعاونية الغابوية تيغانيمين”، لتروي قصة نجاح عالمية انطلقت من دوار “تيغانيمين” بجماعة الدراركة، لكنها في الوقت نفسه تكشف عن معاناة عميقة يعيشها الحرفيون الحقيقيون في المغرب. فخلف منتجات الأركان الفاخرة التي جابت قارات العالم، رسالة قوية حول ضرورة إعادة الاعتبار للصانع التقليدي وإنصافه.
من خلال عرضها المتقن لمنتجات الأركان ومشتقاته، من زيوت تجميلية وغذائية إلى “أملو” والصابون، بالإضافة إلى منتجات شركاء آخرين كالزعفران الحر وماء الورد، لا تكتفي السيدة الفاطمي بالتسويق لسلعها، بل تسوق لنموذج ناجح في العمل التعاوني. فقد استطاعت تعاونيتها أن تحمل راية المنتوج المغربي إلى محافل دولية مرموقة في أوروبا وأمريكا وإفريقيا، من بلجيكا وألمانيا إلى كندا والولايات المتحدة، ومن كينيا وجنوب إفريقيا إلى السنغال.
هذا الانتشار العالمي لم يأت من فراغ، بل هو ثمرة عمل دؤوب والتزام صارم بمعايير الجودة العالمية. وتفخر السيدة الفاطمي بسرد قائمة طويلة من الشهادات التي حصلت عليها التعاونية، أبرزها شهادة المنتجات البيولوجية “Bio” الأوروبية والأمريكية، وعلامة “تيروار دو ماروك”، ومصادقة المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية “ONSSA”، بالإضافة إلى شهادة التجارة العادلة “Fair for Life”، مما يضع منتجاتها في مصاف المنتجات العالمية الموثوقة.
ورغم هذا النجاح، تواجه التعاونية، مثل غيرها من الحرفيين، تحدياً كبيراً في السوق المحلية يتمثل في نظرة المستهلك للسعر. تقول الفاطمي بأسف: “الناس يقولون إن الأركان غالٍ، لكن ربحنا في اللتر الواحد لا يتجاوز 20 أو 30 درهماً… من يريد الجودة العالية، فطبيعي أن يكون سعرها مرتفعاً”. وهي بذلك تدافع عن حق الصانع في تثمين جهده وعمله اليدوي الدقيق الذي لا يمكن مقارنته بالإنتاج الصناعي الضخم.
وهنا يكمن جوهر رسالتها، حيث تعتبر أن الصانع التقليدي الحقيقي، الذي يبدع بيده، يعيش حالة من “الظلم”، لأن عمله الذي “يوزن بالذهب” لا يلقى التقدير الكافي. وتضيف: “الناس يقارنون منتجاتنا اليدوية بمنتجات المصانع الكبرى، وهذا ظلم كبير، فلا مجال للمقارنة بينهما أبداً”.
وفي ختام حديثها، وجهت نجاة الفاطمي نداءً قوياً للنساء والشباب الذين يمتلكون حرفة يدوية، داعية إياهم إلى الثقة في أنفسهم وفي صناعتهم وتثمينها. وأكدت أن مستقبل الصناعة التقليدية واعد، لكنه يحتاج إلى المزيد من الترويج والدعم، وإلى إيمان راسخ من الحرفيين أنفسهم بأن ما بين أيديهم هو كنز حقيقي يمثل هوية وتراث أمة بأكملها.