بعد أسابيع من رحيل شيخها الجليل سيدي جمال، عادت الزاوية القادرية البودشيشية ببلدة مداغ لتتنفس الحياة من جديد، وتُشعل قناديلها الروحانية في أربعينية الراحل، محوّلة هذا الموعد الديني إلى محطة فارقة أعادت لها إشعاعها كقبلة عالمية للمريدين والباحثين عن السكينة. الحدث، الذي أشرف عليه الشيخ معاذ القاديري البودشيشي، لم يكن مجرد ذكرى، بل كان إعلاناً عن عودة قوية للزاوية إلى سابق عهدها.
فقد شهدت مرافق الزاوية، التي بدت وكأنها استعادت روحها، حركة غير مسبوقة. عادت الحافلات لتجوب الطرقات محملة بالوفود من كل فج عميق من مدن المغرب، فيما تزاحمت الوجوه من مختلف القارات، بمريدين قَدِموا من أوروبا، إفريقيا، وحتى أمريكا الشمالية، ليؤكدوا البعد العالمي والامتداد الروحي للطريقة البودشيشية التي لا تعرف الحدود.
وما أضفى على هذا الحدث رمزية خاصة، هو عودة عدد كبير من “المُقدَّمين” وكبار أتباع الطريقة الذين كانوا قد ابتعدوا عن لقاءات الزاوية في السنوات الأخيرة. هذا الحضور الكثيف، الذي جمع شتات المريدين وأعاد اللحمة بينهم، اعتبره الكثيرون تأكيداً على قدرة الزاوية على توحيد الصفوف تحت القيادة الجديدة.
مصادر من داخل الزاوية أكدت لـ”الجريدة” أن عدد المشاركين في هذه الذكرى الروحية تجاوز ألفي مريد، اجتمعوا في أجواء ملؤها الذكر والوفاء، مجددين العهد على الاستمرارية. انطلقت الفعاليات بختم سلك القرآن الكريم في ضريح القطب الروحي سيدي حمزة، وهو تقليد يعكس عمق الارتباط بالقرآن والسنة. بعد ذلك، انتقل الحاضرون إلى قاعة سيدي جمال حيث أقيمت أمسية كبرى امتدت لساعات، تخللتها تلاوات قرآنية عذبة، وأمداح نبوية صدحت في أرجاء المكان، إضافة إلى أوراد الطريقة البودشيشية، في أجواء غمرتها الخشوع والترحم على روح الفقيد.
هذا الموعد الديني المتميز، الذي طبعته كثافة الحضور والتنظيم المحكم، لم يجسد فقط الوفاء لروح الراحل سيدي جمال، بل كان أيضاً رسالة واضحة بأن الزاوية القادرية البودشيشية قد استعادت قواها، وباتت بقيادة الشيخ معاذ القاديري البودشيشي جاهزة لمواصلة مسيرتها كإحدى أبرز الحواضن الصوفية التي تُشِعُّ نور العلم والروحانية من المغرب إلى العالم.