على غير العادة التي دأبت عليها عاصمة الشرق في مثل هذه الفترة من كل سنة، تشهد المخابز ومحلات الحلويات بمدينة وجدة ركوداً تجارياً ملحوظاً في الإقبال على حلويات رأس السنة ، في مشهد يعكس بوضوح تآكل القدرة الشرائية للمواطنين وتغير أولويات الاستهلاك تحت ضغط الأزمة الاقتصادية الراهنة. وبدت واجهات المحلات التي كانت تتزين بأصناف متنوعة من الطورطات شبه مهجورة، وسط حسرة أرباب المهنة الذين أكدوا أن إنتاج هذا العام تراجع بنسب قياسية ، بفعل الارتفاع الصاروخي في أسعار المواد الأولية كالزبدة والسكر والدقيق، وهو ما فرض زيادة اضطرارية في ثمن المنتج النهائي لم تعد تتماشى مع جيوب الوجديين المنهكة أصلاً بتوالي موجات الغلاء.
ويرى مراقبون للشأن المحلي بجهة الشرق أن هذا الفتور التجاري ليس مجرد صدفة، بل هو نتاج تداخل معقد بين ما هو اقتصادي صرف وما هو اجتماعي وقيمي؛ فمن جهة، أصبحت الأسر الوجدية تضع هذه الحلويات في خانة الكماليات المستفزة في ظل غلاء الخضر واللحوم والمحروقات، مفضلة توجيه ميزانيتها المحدودة لتأمين القوت اليومي الأساسي عوض صرفها في احتفالات عابرة. ومن جهة أخرى، يبرز تراجع الإقبال كنوع من التقشف الإرادي أو التضامن الوجداني مع القضايا الراهنة، حيث يفضل الكثيرون تجنب مظاهر البذخ والاحتفال الصاخب كنوع من المشاركة في الألم، يضاف إليها التوجه الديني والاجتماعي المتزايد الذي بات ينظر لهذه الطقوس بريبة ويراها دخيلة على الهوية المغربية الأصيلة.
وأمام هذا الواقع المرير، يجد المهنيون بوجدة أنفسهم بين مطرقة الغلاء وسندان الكساد، حيث لم يعد الرهان على الساعات الأخيرة من السنة كفيلاً بإنقاذ الموسم الذي يوصف بـالباهت. هذا التراجع القوي في الطلب لا يمس فقط المخابز الكبرى، بل يمتد أثره إلى الدورة الاقتصادية المحلية المرتبطة بهذه المناسبة، مما يؤكد أن رأس السنة بوجدة هذا العام يمر بطعم التقشف، ويجسد صرخة صامتة لمواطنين باتوا يجدون في توفير الخبز والزيت انتصاراً أكبر من شراء حلوى الكريمة في مدينة تعيش على إيقاع الانتظار الممزوج بضيق ذات اليد.






