ثمن المشاركون في الندوة الدولية: “الإضاءات الحضارية في فكر أبي حيان التوحيدي”، التي عقدتها منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، اختيار هذا الموضوع لتسليط الضوء على الإرث الغني لهذا الأديب والفيلسوف الكبير واحتفائه بقيم الحوار والمناظرة والتسامح، مؤكدين أهمية إعادة اكتشاف الأبعاد الحضارية في فكر التوحيدي، حيث إن العديد من مؤلفاته تضع إطارا نظريا للتواصل بين الأفراد والمجتمعات والثقافات، يمكن الاستفادة منه اليوم في مجابهة مسببات الصراع الثقافي.
واستهلت أعمال الندوة الدولية، التي شهدت حضورا رفيع المستوى واحتضنها مقر الإيسيسكو بالرباط اليوم الإثنين (21 أكتوبر 2024)، بآيات بينات من الذكر الحكيم، أعقبها تقديم عام للسفير خالد فتح الرحمن، مدير مركز الإيسيسكو للحوار الحضاري، استعرض خلاله أهم سمات فكر أبو حيان التوحيدي الفلسفي والنقدي وأبرز مؤلفاته.
وفي كلمته الافتتاحية أكد الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام للإيسيسكو، أن احتفاء الأمم بأعلامها الكبار واجب يمليه الإحساس بالولاء والمسؤولية والفخر، مشيرا إلى أن أبي حيان يستحق هذا التشريف والتكريم لما له من سبق في تصويب الفكر لعالم الأمم والحضارات، ليضع نفسه في صدارة الداعين إلى الاحتفاء بتعدد الثقافات، ما يؤكد سابقية فكر المسلمين في الدعوة لنبذ التعصب والعنصرية.
واستعرض أبرز أفكار ومقولات أبي حيان التوحيدي، التي أسست لقناعات عاقلة من منطلق إيمانه بأن الإنسان هو المعضلة وهو الحل، مشيرا إلى أنه أيضا نادى ببطلان التفاضل بين الأمم في ما لا اختيار فيه، وأرسى مفهوم التكيف مع البيئة، ولفت الأذهان إلى ضرورة جعل التجديد منهجا حيويا.
ونوه المدير العام للإيسيسكو بكتاب التوحيدي “الإمتاع والمؤانسة” لما تضمنه من التأكيد على الشراكة الإنسانية في الإعمار، وبوصفه مرجعا لكل دعاة حوار الثقافات والحضارات، مختتما كلمته بالتأكيد على أن احتفاء المنظمة بالتوحيدي يأتي في إطار اتساق خطاها بين الماضي والمستقبل، فلا تتشبث بالماضي تشبثا متعصبا ولا تعانق المستقبل عناقا تتحدر منه رواسخ الماضي وثوابته.
وانطلقت أعمال الجلسة الأولى للندوة التي سيرها الدكتور صابر مولاي أحمد، الكاتب والباحث المغربي، وشهدت تقديم أوراق عمل ونقاشات ثرية لعدد من الباحثين من المغرب والسعودية وتركيا وإيطاليا، حول فكر التوحيدي وتأثيره، حيث تم التأكيد أنه كان له السبق في الحديث عن العلاقة مع الآخر، وبرع في المزج بين علوم الفلسفة والأدب والإلمام بهما، وأنه رائد الحداثة، كما أن فكره ساعد في فهم المعاني الأعمق من الاختلافات الإنسانية.
وشهدت الجلسة الثانية، التي سير أعمالها الدكتور محمد المسعودي، أستاذ بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس في الرباط، مداخلات لعدد من الباحثين والأكاديميين حول حوار الحضارات في فكر أبو حيان، والنزعة الإنسانية في التصوف التوحيدي، حيث تم إبراز حضور فن المناظرة في مؤلفاته وفكره الموسوعي، وأن النزعة الإنسانية كانت أحد محاور فكر أبو حيان حيث ركز في كتابه “الإشارات الإلهية” على البعد الروحي للإنسان.