احتضنت مدينة طنجة يومي 20 و21 دجنبر النسخة الثانية للمناظرة الوطنية حول الجهوية المتقدمة، والتي شكلت مناسبة هامة لتقييم وتطوير هذا الورش الإصلاحي،شارك في المناظرة إلى جانب وزراء مختلف القطاعات الحكومية: ممثلي الإدارة الترابية، المصالح الخارجية، والعديد من الفاعلين والمتدخلين والمنتمين لمختلف عمالات وأقاليم المملكة عبر تقنية التناظر المرئي، مما مكن من مواكبة فعاليات الورشات وتبادل الخبرات بين الأطراف المثقفة والمدبرين الترابيين.
افتتحت المناظرة بتلاوة الرسالة الملكية من قبل وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، حيث أكد جلالة الملك محمد السادس أن “الجهوية المتقدمة تشكل رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، قادرة على مواجهة تحديات التنمية ومعالجة أوجه النمو غير المتكافئ والتفاوتات المجالية”، كما شدد جلالته على ضرورة “الأجرأة الفعلية للميثاق الوطني للاتمركز الإداري”، مؤكداً على أن هذه الخطوة أساسية لتعزيز فعالية العمل الإداري وتحقيق القرب من المواطنين والمستثمرين، مع ضمان الشفافية والتوازن، وأشار جلالته إلى أن التأخر في نقل الاختصاصات إلى المصالح اللاممركزة قد يعقد الإجراءات الإدارية للاستثمار، مما قد يعيق تحقيق المشاريع في ظروف ملائمة، واختتم جلالته رسالته بدعوة إلى “الخروج بخارطة طريق واضحة المعالم” لتنفيذ أهداف الجهوية المتقدمة وتحقيق تنمية شاملة ومتوازنة.
وبعد الكلمات الترحيبية والافتتاحية لكل من السيد رئيس مجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة و رئيسة جمعية جهات المغرب، تم عرض فيلم مؤسساتي أبرز المنجزات التنموية التي تحققت في مختلف جهات المملكة، مع التركيز على المشاريع الكبرى التي تواكب استعدادات المملكة لاحتضان كأس العالم 2030، واختتم الفيلم برسالة أمل تؤكد رؤية المغرب في بناء مستقبل مزدهر، مستندًا إلى مقوماته الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
ومن ضمن ما أعطى قيمة مهمة للجلسة الافتتاحية هي توقيع أربع اتفاقيات إطار استراتيجية تهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة بالمملكة، شملت هذه الاتفاقيات: اتفاقية إطار لتسريع تنفيذ الجهوية المتقدمة بهدف تعزيز الدور التنموي للجهات وتحقيق التكامل بين المستويات الترابية، اتفاقية إطار للشراكة في مجال الماء لمواجهة تحديات ندرة المياه وضمان تدبيره المستدام، اتفاقية إطار لتدبير النفايات المنزلية بين 2024-2025 لتحسين إدارة النفايات وتعزيز الاستدامة البيئية، واتفاقية إطار لتمويل البرنامج الاستثماري للنقل العمومي بين الجماعات بواسطة الحافلات لتحسين خدمات النقل وتطوير البنية التحتية، بما يساهم في تحقيق العدالة المجالية والتنمية الاقتصادية.
وما أعطى لليوم الأول بعدا تطبيقيا وواقعيا هو تقديم ثلاث ورشات هامة، حيث تناولت الورشة الأولى موضوع “تحديات تفعيل اختصاصات الجهة للنهوض بالجاذبية الترابية”، وفي الورشة الثانية تم التركيز على “الالتقائية بين اللامركزية واللاتمركز الإداري كمتطلب أساسي لتحفيز الاستثمار المنتج”، أما الورشة الثالثة فقد تطرقت إلى “تحديات تمويل البرامج الاستثمارية للجهات”.
وعلى غرار اليوم الأول عرف اليوم الثاني من المناظرة مناقشة موضوعات استراتيجية ذات أبعاد تنموية، حيث تناولت الورشة الرابعة موضوع “تأمين التزود بالماء في ظل الإجهاد المائي” ،و في الورشة الخامسة تم مناقشة “تطوير منظومة النقل والتنقل لتحقيق التنمية الجهوية المندمجة”، أما الورشة السادسة فكان موضوعها حول “التحول الرقمي كمدخل لتعزيز الديمقراطية التشاركية وتكريس الجماعات الترابية المنفتحة”، مع التأكيد على دور الجهات في تدبير التحول الرقمي من خلال استعراض تجارب واقعية.
ولقد توجت المناظرة بعرض خلاصات الجلسات وتقديم توصيات شاملة تهدف إلى تعزيز قدرات الجهات، وتحسين التنسيق بين اللامركزية واللاتمركز الإداري، ودعم التمويل المبتكر لمشاريع التنمية الجهوية، فضلاً عن مواجهة التحديات المائية والاستثمار في التحول الرقمي والنقل.
وفي الختام، تم رفع برقية ولاء وإخلاص إلى جلالة الملك محمد السادس، تأكيدًا على الالتزام بمواصلة الجهود لتحقيق أهداف الجهوية المتقدمة والتنمية المتوازنة في جميع جهات المملكة.
ولقد تفاعل مختلف الفاعلين المنتمين لعمالة وجدة أنكاد والذين تتبعوا أطوار هذه النقاشات انطلاقا من القاعة الكبرى والقاعات الملحقة لمقر هذه العمالة مع مختلف التدخلات والنقاشات، وثمنوا عاليا ما وصل إليه الحوار الجهوي بتفعيل من مصالح وزارة الداخلية وأبدوا استعدادهم التام للانخراط في تنزيل التوصيات الصادرة عن هذه المناظرة.